وعن عائشة رضي الله عنها ؛ أنّها سئلت هل كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتمثّل بشيء من الشّعر؟ فقالت : كان الشّعر أبغض الحديث إليه ، ولم يتمثّل بيتا من الشّعر إلّا بيت طرفة : [ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار]. فقال أبو بكر : ليس هذا هكذا يا رسول الله ، إنّما هو : ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (١) ، فقال : [إنّي لست بشاعر وما ينبغي لي الشّعر](٢).
قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩) ؛ أي ما القرآن إلّا ذكر وموعظة ، فيه الفرائض والحدود والأحكام ، (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا ؛) قرأ نافع وابن عامر بالتاء ، والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ الباقون بالياء ، يعني لينذر القرآن من كان حيّا ، يعني مؤمنا حيّ القلب ، لأن الكافر كالميّت في أنه لا يتدبّر ولا يتفكّر ، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧٠) ؛ أي وتجب الحجّة بالقرآن على الكافرين.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) (٧١) ؛ معناه : أو لم يشاهدوا أنّا خلقنا لهم مما تولّينا خلقه بإيداعنا وإنشائنا؟ لم يشاركنا في خلق ذلك شريك ولا معين. وذكر الأيدي ههنا يدلّ على انفراده بما خلق ، والمعنى أو لم يروا أنّا خلقنا لهم مما عملناه بقدرتنا؟ لا مما عملته أيدي مالكيها أنعاما وهو الإبل والبقر والغنم لها مالكون وضابطون ، قاهرون لها يصرّفونها كيف يشاوؤن ، واليد تذكر ويراد بها القدرة وإظهار صنعه.
وقوله تعالى : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ ؛) أي لم يخلق الأنعام نافرة من بني آدم ولا يقدرون على ضبطها ، بل هي مسخّرة لهم ، والمعنى : وسخّرناها لهم مع قوّتها
__________________
(١) طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد |
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند : ج ٦ ص ٣١. والطبري في جامع البيان : الحديث (٢٢٣٨٤). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٠٠. وفي الدر المنثور : ج ١٠ ص ٧١ ؛ قال السيوطي :
(أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم) ، وقال : (أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد).