الروح ؛ إنّ هذا الشيء عجيب! من يقدر أن يحيي العظام وهي رميم؟! ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [يحيي الله هذا ويميتك ويدخلك النّار] فأنزل الله هذه الآية (١).
والمعنى : أو لم ير الإنسان أنّا خلقناه مع الحياة والعقل والحواسّ من نطفة فبلّغناه ؛ أي أن صار خصما جدلا ظاهر الخصومة ، وهذا تعجيب من جهله وإنكار عليه خصومته ؛ أي لا يتفكّر بدء خلقه.
وقوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ؛) أي ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي يفته بيده ، ونسي خلقنا إياه وبعد أن لم يكن شيئا حتى صار مخاصما ف (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٧٨) ؛ أي شيء بال قاس ، قدّر الله تعالى بقدرة الخلق ، فأنكر إحياء العظم البالي ما لم يكن ذلك في مقدور البشر.
قوله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٧٩) ؛ أي قل لهم يا محمّد : الذي خلق من العدم إلى الوجود قادر على الإعادة بعد الممات ، وهو عليم بالخلق بعد أن خلقهم.
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٨٠) ؛ في هذه الآية زيادة بيان عن عجيب صنعه ، ومعنى ذلك الزّنود التي كانت العرب يورّون منها النار ، كانوا إذا احتاجوا إلى النار أخذوا غصنا من شجر المرخ وغصنا من شجر العفار وهو الأدين ، فضربوا أحدهما بالآخر فخرجت النار ، فقيل لهم : إنّ الذي جمع بين الماء والنار في الشّجر الأخضر قادر على تضادّهما ، لا يطفئ الماء النار ، ولا تحرق النار الشجر ، قادر على أن يبعثكم ويردّ أرواحكم إلى أجسادكم (٢). ويقال : ما من شجرة إلّا وفيها نار غير شجرة العنّاب ، ولذلك يختارها
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٢٣٩٦). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٠٣. وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٧٤ ـ ٧٥ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس ، وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في البعث عن أبي مالك ، وأخرجه عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ٦٠ ؛ قال القرطبي : (ويعني بالآية ما في صفات المرخ