قوله تعالى : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (٣) ؛ يعني جبريل والملائكة يتلون كتاب الله وذكره ، وقوله تعالى : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤) ؛ جواب القسم ، وإنما وقع القسم بهذه الملائكة ؛ لأن في تعظيمها تعظيما لله ، وقيل : هذا أقسم بالله تعالى على تقدير : ورب الصافّات ، إلّا أنه حذف لما يقتضي من التعظيم ، وكذلك (وَالذَّارِياتِ وَالطُّورِ) و (والنجم) وغير ذلك.
وقد تضمّنت الآية تشريف الملائكة وتعظيم الاصطفاف في الصّلاة ، وفي الحديث : [إنّهم يصطفّون في صلاتهم في السّماء ويسبحون الله تعالى ويذكرونه ، ويرفعون أصواتهم بقراءة القرآن في الصّلاة كما يصطفّ النّاس في صلاتهم](١). قال مقاتل : (وذلك أنّ كفّار قريش قالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا ، فأقسم الله بهؤلاء أنّ إلهكم لواحد ليس له شريك) (٢).
قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ؛) أي خالقهما ومشيتهما وتدبّر ما بينهما ، (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٥) ، مالك المشارق ، وإنما قال ههنا : (رَبُّ الْمَشارِقِ) لأن للشمس ثلاثمائة وستّين مشرقا ، تطلع كلّ يوم من مشرق ، وتغرب في مغرب ، فإذا تحوّلت السّنة عادت إلى المشرق والمغرب ، فإنما أراد جانب المشرق وجانب المغرب. وقيل : أراد به الجنس ، وقيل : أراد به مشرقها ومغربها في يوم واحد. وأما قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ)(٣) فقيل : إنما أراد به مشرق الشمس ومشرق القمر. وقيل : أراد بذلك مشرق الشتاء والصيف ومغربها. وشروق الشمس : طلوعها ، يقال : شرقت إذا طلعت ، وأشرقت اذا أضاءت.
قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) (٦) ؛ أي زيّنا السماء التي هي أدنى إليكم من سائر السّموات بضوء الكواكب ونورها ، قرأ أبو بكر (بِزِينَةٍ) بالتنوين ونصب (الكواكب) عمل الزّينة في الكواكب ؛ أي بأن زيّنا الكواكب
__________________
(١) بمعناه : أخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الصلاة : الحديث (١١٩ / ٤٣٠).
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٩٤.
(٣) الرحمن / ١٧.