ثم أرسله الله بعد ذلك وهو قوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١٤٧) ؛ وقال الحسن : (معناه : بل يزيدون) ، وقال الكلبيّ : (معناه : ويزيدون) ، وكان الذين أرسل إليهم أهل نينوى ، كأنّه أرسل قبل ما التقمه الحوت إلى قوم ، وبعد ما نبذه الحوت إلى قوم آخرين.
قوله : (فَآمَنُوا) ؛ أي فآمن من أرسل إليهم يونس عليهالسلام بما جاءهم به من عند الله تعالى. قوله تعالى : (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٤٨) ؛ أي إلى حين آجالهم. واختلفوا في الزيادة على مائة ألف ، قال مقاتل : (كانت الزّيادة عشرين ألفا) (١) ، وقال الحسن : (بضعا وثلاثين ألفا) (٢) ، وقال سعيد بن جبير : (سبعين ألفا) (٣).
وقوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) (١٤٩) ؛ أي سلهم ـ يا محمّد ـ أهل مكّة سؤال توبيخ وتقريع (ألربك البنات ولهم البنون)؟ وذلك أنّ قريشا وقبائل من العرب منهم خزاعة وجهينة وبنو سليم كانوا يقولون : إنّ الملائكة بنات الله ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا. وقوله تعالى : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) (١٥٠) ؛ أي حاضروا خلقنا إيّاهم ، فكيف جعلوهم إناثا ولم يشهدوا خلقهم كما قال الله تعالى : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ)(٤).
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٥٢) ؛ في إضافة الأولاد إلى الله تعالى حين زعموا أنّ الملائكة بنات الله ، تعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا ، (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) (١٥٣) ؛ القراءة المعروفة المشهودة بفتح الألف على الاستفهام الذي فيه التوبيخ ، والمعنى : سلهم أصطفى البنات ، إلّا أنه حذف ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ١٠٨.
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٠٢.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٢٧٤٤). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢٣١.
(٤) الزخرف / ١٩.