قوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١٦٤) ؛ هذا من قول جبريل عليهالسلام للنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : ليس منّا معشر الملائكة ملك في السّموات والأرض إلّا له موضع معلوم يعبد الله فيه ، لا يتجاوز ما أمر به ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) (١٦٥) ؛ أي المصطفّون في الصّلاة كصفوف المؤمنين. وقيل : صافّون حول العرش ينتظرون الأمر والنهي من الله تعالى ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١٦٦) ؛ أي المصلّون لله ، المنزّهون له عن السّوء ، وعن جميع ما لا يليق بصفاته.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) (١٦٧) ، أي وقد كان كفار مكّة يقولون : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) (١٦٨) ، لو جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأوّلين من الكتب ، (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١٦٩) ؛ لأخلصنا العبادة لله ، فلمّا جاءهم الرسول والكتاب كما قالوا وطلبوا ؛ (فَكَفَرُوا بِهِ) ، كفروا بذلك ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١٧٠) ، ماذا ينزل بهم ، وهذا كما قالوا : لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منكم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) (١٧١) ؛ معناه : لقد تقدّم وعدنا بالنصر والظّفر لعبادنا المرسلين ، (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) (١٧٢) ، يعني بالكلمة قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)(١) فهذه الكلمة التي قد سبقت ، فالله تعالى لم يفرض على نبيّ الجهاد إلّا ونصره وجعل العاقبة له ، قال الحسن : (ما غلب نبيّ في حرب ولا قتل فيه قط) (٢).
قوله تعالى : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (١٧٣) ؛ أي جند الله لهم الغلبة بالحجّة والنصر في الدّنيا ، وينتقم الله من أعدائه في الآخرة. قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) (١٧٤) ؛ أي أعرض عنهم حتى تنقضي المدّة التي أمهلوا فيها ، (وَأَبْصِرْهُمْ) ، في عذاب الآخرة ، (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٥) ؛ ما وعدوا من
__________________
(١) المجادلة / ٢١.
(٢) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ١٣٩.