وأما (فَصْلَ الْخِطابِ) فهو فصل القضاء بين الحقّ والباطل فيما بين الخصوم ، لا يتعتع في قضائه (١). وقيل : فصل الخطاب وهو الحكم بالبيّنة واليمين. وقيل : هو قوله : أمّا بعد ، وهو أوّل من قال : أمّا بعد ، ومعناه أما بعد حمد الله فقد بلغت كذا وسمعت كذا.
قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١) ؛ اختلفوا في خطيئة داود عليهالسلام والذي هو مستفيض بين العوامّ ما ذكره الكلبيّ : (أن داود عليهالسلام كان يصلّي ذات يوم في محرابه ، والزّبور منشور بين يديه ، إذ جاءه إبليس في صورة حمامة من ذهب فيها كلّ لون حسن ، فوقفت بين يديه فمدّ يده ليأخذها ، فطارت غير بعيد من غير أن توسّد من نفسها ، فامتدّ إليها ليأخذها فطارت حتى وقعت في الكوّة ، فذهب ليأخذها فطارت من الكوّة ، فجعل داود عليهالسلام ينظر أين تقع ، فأبصر امرأة في بستان تغتسل ، وإذا هي من أعجب النّساء وأحسنهنّ ، وأعجبته ، فلما حانت منها التفاتة أبصرته فأسبلت شعرها على جسمها فغطّى بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها. فسأل دواد عنها وعن زوجها ، فقالوا اسمها تشايع بنت شائع وزوجها أوريّا بن حنانا وهو غائب في غزاة بالبلقاء مع أيّوب بن صوريا ابن أخت داود ، فكتب داود إلى ابن أخته : اذا أتاك كتابي هذا فابعث أوريا إلى موضع كذا وإلى القلعة الفلانيّة ، ولا يرجعوا حتى يفتحوها أو يقتلوا. فلما جاء الكتاب ندبه وندب الناس معه ، فأتوا القلعة فلما أتوها رموهم بالحجارة حتى قتلوهم وقتل أوريا معهم. فلما انقضت عدّتها تزوّجها داود عليهالسلام ، فهي أمّ سليمان (٢).
__________________
(١) التّعتة في الكلام : التردد من حصر أو عيّ. والأصل أن فصل الخطاب عبارة عن كون الذي أوتيه يكون قادرا على التعبير عن كل ما يخطر بالبال ويحضر في الخيال ، بحيث لا يختلط شيئا بشيء ، وبحيث يفصل كل مقام عما يخالفه. وهذا معنى عام يتناول فصل الخصومات ويتناول الدعوة إلى دين الله الحق.
(٢) ما أورده الطبراني هنا في حقّ داود عليه الصلاة والسّلام من قبيل الإسرائيليات ، ولا صحة له. وأورده الطبري على سبيل حكاية اختلاف كما في جامع البيان : الآثار (٢٢٩٣٥ ـ ٢٢٩٤٢). وهي ضرب من أوهام القصّاص وخيالاتهم التي يجل الله عنها المؤمنين فضلا عن الأنبياء والمرسلين.