النصر عليهم والانتقام منهم ، (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ؛) أي ذي القوّة في العبادة وذا النّعم الكثيرة ، كيف صبر على أذى قومه ، (إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١٧) ؛ أي مطيع لله ، مقبل على طاعته. والأوّاب : كثير الأوب الى الله تعالى. قال الزجّاج : (كانت قوّة داود على العبادة أتمّ قوّة ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وذلك أشدّ الصّوم ، وكان يصلّي نصف اللّيل).
قوله تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) (١٨) ؛ معناه : إنّ الجبال كانت تسبح معه غدوة وعشيّة. والإشراق طلوع الشّمس وإضاءتها ، يقال : شرقت إذا طلعت ، وأشرقت في الآية بصلاة الضّحى ، وعن ابن عبّاس رضي الله عنه : (كنت أقرأ هذه الآية لا أدري ما هي ، حتّى حدّثتني أمّ هانيء في بيت أبي طالب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل عليها فدعا بوضوء ، فتوضّأ ثمّ صلّى الضّحى ، وقال : [يا أمّ هانيء هذه صلاة الإشراق]) (١).
قوله تعالى : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (١٩) ؛ أي وسخّرنا له الطّير مجموعة إليه تسبح الله معه غدوة وعشيا ، (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أي كلّ لله تعالى مسبح ومطيع يرجع التسبيح مع داود كلما سبّح. وقيل : معناه : كلّ له رجّاع إلى طاعته وأمره.
قوله تعالى : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ ؛) أي قوّينا ملكه وثبّتناه بالهيبة ، ويقال بالحرس ، كان يحرس محرابه كلّ ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل ، كان فيهم أبناء الأنبياء لم يطمع في ملكه أحد. قرأ الحسن : (وشدّدنا) بالتشديد. قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠) ؛ قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (الحكمة هي النّبوّة والمعونة بكلّ ما حكم). فقال مقاتل : (الحكمة الفهم والعلم) (٢). وقيل : الحكمة كلّ كلام حسن يدعو إلى الهدى وينهى عن الرّدى.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٥ : الحديث (٤٢٥٨). وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٩٩ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر الهذلي ، وهو ضعيف).
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ١١٥.