إذا قرأ هذه الآية ، قال : [الله أبقى وأجلّ وأكرم ممّا تشركون](١). قرأ عاصم وأهل البصرة (أمّا يشركون) بالياء ، وقرأ الباقون بالتّاء.
قوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ؛) فيه إضمار كأنه قال : آلهتكم أم من الذي خلق السّموات والأرض بما فيها من العجائب والبدائع ، (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً ؛) يعني المطر ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ؛) أي بساتين ، (ذاتَ بَهْجَةٍ ؛) أي منظر حسن وأنوار ، والحديقة : هي البستان التي يحاط عليه بما فيه من النّخل والشّجر ، فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة.
قوله تعالى : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها ؛) هذا نفي ، يعني ما قدرتم عليه ، والمعنى : ما ينبغي لكم ذلك ؛ لأنّكم لا تقدرون عليها ، ثم قال استفهاما منكرا عليهم : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ؛) أي هل معه معبود سواه أعانه على صنعه في خلق هذه الأشجار. قوله تعالى : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٦٠) ؛ يعني كفّار مكّة قوم يعدلون الأصنام بخالقهم بجهلهم. وقيل : (يَعْدِلُونَ) أي يشركون بالله غيره. وقيل : يميلون عن الطريق وعن النّظر في الدّلائل المؤدّية إلى العلم بوحدانيّة الله.
قوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً ؛) أي مستقرّة لا تميل بأهلها ، بل جعلها مسكنا يسيرون فيها ويصرفون عليها ، فلا هي تضطرب بهم ، ولا هي حزنة غليظة مثل رؤوس الجبال.
وقوله تعالى : (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً ؛) أي جعل وسط الأرض أودية وعيونا من عذب ومالح ، (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ ؛) أي جعل على الأرض جبالا ثوابت وأودية أوتادا لها ، (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ؛) أي بين الملح والعذب مانعا بلطفه وقدرته فلا يختلط أحدهما بالآخر ، ولا يبغي أحدهما على صاحبه ، وقوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ؛) أي مع الله إله فعل شيئا من هذه الأشياء ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١) ؛ توحيد ربهم وسلطانه وقدرته.
__________________
(١) ذكره مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٤٨٢. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ٢٢١ من غير إسناد.