والحميم : الماء الحارّ الذي قد انتهى حرّه من طينة الخبال وهي عصارة أهل النّار. والغسّاق : ما سال من جلود أهل النّار من القيح والصّديد ، من قولهم : غسقت عينه إذا تصبّت ، والغسقان الانصباب.
قرأ حمزة والكسائي وخلف : (وَغَسَّاقٌ) بالتشديد على معنى أنه يسال من صديد أهل النار. وقرأ الباقون بالتخفيف مصدر غسق يغسق إذا سال.
قال الكلبيّ : (الغسّاق هو الزّمهرير البارد الّذي قد انتهى برده ، يحرقهم ببرده كما تحرقهم النّار). وقال ابن زيد : (هو المنتنّ بلغة التّرك والطّخاريّة (١) والعماليق) (٢). وقال الحسن : (لا أدري ما الغسّاق وما سمعت فيه شيئا من الصّحابة إلّا أنّه بعض ما أعدّ لأهل النّار ، قوم أخفوا من المعصية أعمالا فأخفى الله لهم عقابا).
قوله تعالى : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) (٥٨) ؛ قرأ الأكثرون (وَآخَرُ) على الوحدان ؛ أي وعذاب آخر من شكل العذاب الأوّل ، والشّكل المثل ؛ يعني ضربا من العذاب على مثل الحميم والغسّاق في الكراهة. وقرأ أهل البصرة (وأخر) على الجمع على معنى : وأنواع أخر من شكله ؛ أي وأصناف من العذاب ، وقوله (أَزْواجٌ) أي ألوان وأنواع وأشباه.
وقوله تعالى : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ؛) معناه : أنّ القادة والرؤساء من المشركين إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الاتباع ، قال الملائكة من الخزنة للقادة : هذا فوج ؛ أي قطيع من الناس مقتحم معكم النار ، أي داخلون معكم النار ، فتقول القادة : (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) (٥٩) ؛ كما صليناها ، فيقول الاتباع للقادة :(قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا ؛) أي أنتم بدأتم بالكفر قبلنا ، (فَبِئْسَ الْقَرارُ) (٦٠) ؛ جهنّم للمشركين.
__________________
(١) لعله يريد أهل طخارستان.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٠٧٦) عن عبد الله بن بريدة.