ثم يقول الأتباع : (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) (٦١) ؛ أي يقولون ربّنا من شرّع لنا هذا الكفر وسنّة لنا فزده عذابا ضعفا في النار. والاقتحام : هو الدخول في الشّيء بشدّة وصعوبة ، وذلك أنّ أهل النار يساقون إليها فوجا فوجا ، فيقال للرّؤساء : هؤلاء الاتباع داخلون معكم ، فيقولون لا مرحبا بهم ، كيف يدخلون معنا ونحن في هذا الضّيق (١)؟! فيقول لهم الخزنة : إنّهم صالوا النّار ؛ أي داخلونها كما دخلتم.
والرّحب في اللغة هو السّعة ، وكذلك المرحب ، ومعنى لا مرحبا بهم يعني لا اتّسعت بهم مساكنهم ولا كرامة لهم ، وهذا إخبار أن مودّتهم تنقطع وتصير عداوة ، فيقول لهم الأتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) أي لا وسّع الله عليكم ، أنتم شرعتم لنا بهذا العذاب ، فيقول الله تعالى : (فَبِئْسَ الْقَرارُ) أي بئس المكان الذي أنتم فيه.
قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) أي قالت الأتباع والقادة جميعا : ربّنا من سنّ لنا هذا الكفر قبلنا فزده عذابا ضعفا مما علينا من العذاب ، يعني حيّات وعقارب وأفاعي. قال الحسن : (ما من أحد من أهل النّار إلّا وهو يعرف يوم القيامة شيطانه الّذي يضلّه ويوسوس إليه في الدّنيا).
قوله تعالى : (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) (٦٢) ؛ قال الكلبيّ : (وذلك أنّ كفّار قريش ينظرون في النّار ، فلا يرون من كان يخالفهم من المؤمنين في دار الدّنيا يعني فقراء المؤمنين ، فعند ذلك يقولون : ربّنا ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدّهم في الدّنيا من الأشرار ؛ أي كنّا نعدّهم في الدّنيا من السّفلة ، ونقول لهم : أنتم تتركون شهواتكم تطلبون بذلك النّعم بعد الفناء ، فهذا معنى (كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) وهم عمّار وخبّاب وصهيب وبلال وسلمان وسالم وأشباههم من فقراء المؤمنين).
__________________
(١) في المخطوط : (ضيق).