قوله تعالى : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) (٦٣) ؛ أي يقولون قد اتّخذناهم سخريّا ؛ أي مالت أبصارنا عنهم فلم نكن نعدّهم شيئا ، قال الحسن : (كلّ ذلك قد فعلوه ، اتّخذوهم سخريّا وزاغت عنهم أبصارهم محقّرة لهم).
ومن قرأ (أَتَّخَذْناهُمْ) بقطع الألف وفتحها معناه الاستفهام ؛ كأنّهم ينكرون ذلك على أنفسهم ، وهم يقولون في الآخرة سخّرناهم وزاغت أبصارهم عنهم لضعفهم ، فيقولون : ما لنا لا نراهم ، ولم يدخلوا معنا في النار ، أم دخلوا معنا ولكن لا نراهم.
وفي قوله (سِخْرِيًّا) قراءتان : ضمّ السّين وكسرها ، فمن ضمّها فهو من السّخرية ؛ أي استذلّوهم ، ومن قرأها بالكسر فهو من الهزؤ (١).
وقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ ؛) أي إنّ الذي وصف عنهم لصدق كائن واقع ، ثم بيّن ما هو فقال : (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤) ؛ أي تخاصم القادة والأتباع على ما أخبر به عنهم.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ ؛) أي قل يا محمّد لأهل مكّة : إنّما أنا منذر لكم أحذّركم عقوبة الله ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٦٥) ؛ أي وقل لهم أيضا : ما من إله إلّا الله الواحد لا شريك له ، القهّار لخلقه الغالب عليهم ، (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٦٦) ؛ أي المنتقم ممّن لا يؤمن به ، المتجاوز عمّن تاب وآمن به.
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) (٦٧) ؛ أي قل يا محمّد لهم هذا القرآن الذي أتيتكم به عظيم الشّأن والشرف ، أنتم عن تدبّره والعمل به معرضون. وقيل : معناه أمر القيامة عظيم ؛ (أَنْتُمْ عَنْهُ ؛) عن الاستعداد له ، (مُعْرِضُونَ) (٦٨).
وقوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٦٩) ؛ معناه : إن النبأ الذي أتيتكم به من قصّة آدم وإبليس دليل واضح على نبوّتي ؛ لأن ذلك
__________________
(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ٣١٦. والحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٣٣٣.