ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛) أي مخلصين له الطاعة موحّدين ، (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١٤) ؛ منكم ذلك.
ثم عظّم تعالى نفسه فقال : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ؛) أي رافع درجاتكم ، والرفيع بمعنى الرافع ، والمعنى : أنه يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنّة. قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ) أي خالقه ومالكه ، (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) ، أي ينزل الوحي ، (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ؛) أي على من يختصّ بالنبوّة والرسالة ، (لِيُنْذِرَ ؛) ذلك النبيّ الموحى إليه ، (يَوْمَ التَّلاقِ) (١٥) ؛ أي يوم القيامة ، وسمي يوم التّلاق ؛ لأنه يلتقي فيه أهل السموات والأرض ، والمؤمنون والكافرون والظالمون والمظلومون ، ويلتقي المرء فيه بعمله ، وقرأ الحسن : (لتنذر بالتاء (يا محمد يوم التلاق) أي لتخوّف فيه) (١) ، وقرأ العامة بالياء ؛ أي لينذر الله.
قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ ؛) أي يوم هم خارجون من مواضعهم من الأرض والبحار وحواصل الطّير وبطون السّباع ، (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ ؛) ولا من أعمالهم ، (شَيْءٌ ؛) ومحلّه رفع بالابتداء ، و (بارِزُونَ) خبره.
ويقول الله في ذلك اليوم : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؛) فيقول الخلق كلّهم : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١٦) ؛ وقال الحسن : (هو السّائل والمجيب ؛ لأنّه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه) (٢).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [الحمد لله الّذي تصرّف بالقدرة وقهر العباد بالموت ، نظر الله إليه ، ومن ينظر إليه لم يعذّبه ، واستغفر له كلّ ملك في السّماء ، وكلّ ملك في الأرض](٣).
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ٣٠٠ ؛ قال القرطبي : (وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع : (لتنذر) بالتاء خطابا للنبي عليهالسلام). وينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٤ ص ٢١.
(٢) ذكره أيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ٣٠٠.
(٣) هكذا ورد النص في المخطوط ، وفيه اضطراب من حيث بناء الجملة.