قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ؛) أي تجزى كلّ نفس بعملها ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ؛) من أحد إلى أحد ، (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٧) ؛ يحاسبهم جميعا في ساعة واحدة ، يظنّ كلّ واحد أنه المجاب دون غيره.
قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ؛) أي حذّرهم يوم القيامة ؛ والمعنى : يا محمّد أنذر أهل مكّة يوم الآزفة ، يعني القيامة ، سميت القيامة آزفة من الأزف : وهو الأمر إذا قرب ، والقيامة آزفة لسرعة مجيئها. قال الزجّاج : (قيل لها : آزفة لأنّها قريبة وإن استبعدها النّاس ، وكلّ آت فهو قريب) (١) ، (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ؛) أي تزول القلوب من مواضعها من الخوف ، فتشخص صدورهم حتى يبلغ حاجزهم في الحلوق ، فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا فيستريحوا.
وذلك أنّ القلب بين فلقتي الرّئة ، فإذا انتفخت الرّئة عند الفزع رفعت القلب حتى يبلغ الحنجرة ، فيلصق بالحنجرة فلا يقدر صاحبه على أن يردّه إلى مكانه ، ولا على أن يلفظ به فيستريح. ونظيره قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(٢) ، وقوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)(٣) وقوله تعالى (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(٤) وقوله تعالى : (إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)(٥).
وقوله تعالى : (كاظِمِينَ) أي مغمومين مكروبين ممتلئين غمّا وخوفا وحزنا ، يعني أصحاب القلوب يتردّد حزنهم وحسراتهم في أجوافهم ، والكاظم : هو الممتليء أسفا وغيظا ، والكظم تردّد الغيظ والحزن والخوف في القلب حتى يضيق به ، نصب (كاظِمِينَ) على الحال ، قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨) ؛ أي ما لهم من قريب ينفعهم ولا شفيع يطاع الشفيع فيهم فتقبل شفاعته.
__________________
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٢٧٩.
(٢) الاحزاب / ١٠.
(٣) الواقعة / ٨٣.
(٤) ابراهيم / ٤٣.
(٥) القيامة / ٢٦.