(والطائعين) ، فقيل لهما : ائتيا ، ثم السّموات بنفسها جماعة ، وكذلك الأرض ، فلذلك قالتا : (أَتَيْنا طائِعِينَ). وانتصب (طَوْعاً) و (كَرْهاً) على معنى أطيعا طاعة أو تكرهان كرها.
وبلغنا أن بعض الأنبياء قال : يا ربّ ؛ لو أنّ السّموات والأرض حين قلت لهما (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال : كنت آمر دابّة من دوابي فتبتلعهما (١). قال : فأين تلك الدابة؟ قال : في مرج من مروج ، قال : وأين ذلك المرج؟ قال : في علم من علومي (٢).
قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ؛) أي صنعهنّ وأحكمهن وأتمّ خلقهن سبع سموات بعضها فوق بعض بما فيهنّ من الشمس والقمر والنجوم ، (فِي يَوْمَيْنِ) ، في يوم الخميس والجمعة ، فتمّ خلق السموات (٣) والأرض في ستّة أيام.
لفظ القضاء في اللغة بمعنى الإتمام ، ومن ذلك : انقضاء الشّيء إذا تمّ ، وقضى فلان إذا مات ؛ لأنه تمّ عمره ، وقال الشاعر (٤) :
وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داود أو صنع السّوابغ تبّع |
عملهما وصنعهما.
قوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ؛) قال قتادة : (يعني خلق شمسها وقمرها ونجومها ، وخلق في كلّ سماء خلقها من الملائكة والخلق الّذي فيها من البحار وجبال البرّ وما لا يعلمه إلّا هو). وقيل : أمر في كلّ سماء بما أراد. وقيل : أوحى إلى أهل كلّ سماء ما يصلحها به من أمره.
__________________
(١) في المخطوط وضع الناسخ علامة تصحيح ، ولم يصحح ، وكتب برسم غير واضح (تبتلعهما). وتم ضبط النص من الجامع لأحكام القرآن.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ٣٤٤ ، نقله القرطبي على أنه حديث ، وقال : (ذكره الثعلبي) والمعروف أن الثعلبي ليس من أهل الحديث.
(٣) في المخطوط : (الشمس).
(٤) الشاعر هو : أبو ذؤيب الهذلي. والصّنع بفتحتين : الحاذق. ومسرودتان : صفة الموصوف محذوف ، أي درعان مسرودتان. والبيت من شواهد الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٢٨٩. وينظر : لسان العرب : ج ١ ص ١٦ : (تبع) وج ١١ ص ٢٠٩.