قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٨٩) ؛ قرأ أهل الكوفة (فَزَعٍ) منونا بنصب الميم ، وقرأ الباقون بالإضافة ، واختاره أبو عبيد لأنه أعم ويكون شاملا لجميع فزع ذلك اليوم ، وإذا كان منونا كان الفزع دون فزع.
وقال أبو علي الفارسي : (إذا نون يجوز أن يكون الفزع واحدا ، ويجوز أن يعني به الكثرة لأنه مصدر ، والمصادر تدل على الكثرة وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله سبحانه : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١)) (٢). قال الكلبي : (إذا أطبقت النار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها أبدا ، وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع).
قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ؛) أي من وا في بالشرك والكبائر (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أي ألقوا على وجوههم في النار ، ويقول لهم خزنة جهنم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٠) ؛ في الدنيا من الشرك.
قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها ؛) أي قل يا محمد للمشركين : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) يعني مكة (الَّذِي حَرَّمَها) أي الذي حرم فيها ما أحل في غيرها من الاصطياد ؛ والاختلاء ؛ والقتل ؛ والسبي ؛ والظلم ، وأن لا يهاج فيها أحد حتى يخرج منها ، فلا يصاد صيدها ولا يختلى خلالها.
وقيل : معنى (حَرَّمَها) أي عظم حرمتها ، فجعل لها من الأمن ما لم يجعل لغيرها. وقوله تعالى : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ؛) لأنّه خالقه ومالكه. وقرأ ابن عبّاس (الّتي (٣) حرّمها) أشار إلى البلدة.
__________________
(١) لقمان / ١٩.
(٢) قاله في الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
(٣) (التي) سقطت من المخطوط ، وضبطت كما في معاني القرآن وإعرابه للزجاج : ج ٤ ص ٩٨.