قوله : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) أي عذاب الدّنيا بعد مجيء الرسول إلى وقت الدّخان ، فمهّلهم لكي يتوبوا ، ولن يتوبوا.
والمراد بالبطشة الكبرى على هذا القول يوم القيامة ، وأما على القول الأوّل فقوله : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) أي التذكّر والاتّعاظ ، يقول : كيف يتذكّرون ويتّعظون ، وحالهم أنه قد جاءهم رسول مبين ظاهر الصّدق والدلالة ، (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي أعرضوا ولم يقبلوا قوله.
وقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) يعني عذاب الجوع (قَلِيلاً) أي زمانا يسيرا ، قال مقاتل : (يعني يوم بدر إنّكم عائدون في كفركم وتكذيبكم) وفيه إعلام أنّهم لا يتّعظون ، وإنه إذا رفع عنهم العذاب عادوا إلى طغيانهم. قوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) أي واذكر لهم ذلك اليوم ، يعني يوم بدر.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ؛) أي كلّفنا قبل أهل مكّة قوم فرعون من الطاعة ما اشتدّ عليهم ، (وَجاءَهُمْ ؛) موسى ، (رَسُولٌ كَرِيمٌ) (١٧) ، لا خلاف على الله تعالى.
وقوله تعالى : (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ ؛) أي بأن أدّوا إليّ بني إسرائيل ، وهذا قول موسى ، يقول : أطلقوا بني إسرائيل من العذاب والتسخير ، فإنّهم أحرار ، (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ ؛) من الله ، (أَمِينٌ) (١٨) ؛ على الرسالة ، لست بخائن ولا كذاب ولا كاتم مما أوحي إليّ ، (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ ؛) أي لا تتجبّروا عليه بترك طاعته ، (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٩) ؛ بحجّة بيّنة ظاهرة تدلّ على صدقي.
فلمّا قال موسى هذه المقالة توعّدوه بالقتل بالحجارة ، فقال : (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) ، أي اعتصمت بخالقي وخالقكم من أن تقتلوني بالحجارة ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (٢١) ؛ أي وإن لم تصدّقون فاتركوني لا معي ولا عليّ ، فلا أقلّ من أن تكفّوا شرّكم عنّي.
فأبوا أن يقبلوا منه ، ولم يؤمنوا به ، (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) (٢٢) ؛ أي مشركون ، ولم يدع إلّا بعد أن أذن له في الدّعاء عليهم ، فدعا عليهم.