وسبب ذلك : أنّ بعض الكهنة قالوا له : إنّ مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سببا لذهاب ملكك. قال الزجّاج : (والعجب من حمق فرعون إن كان ذلك الكاهن عنده صادقا فما ينفع القتل؟! وإن كان كاذبا فما معنى القتل؟) (١). وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٤) ؛ يعني بالقتل والعمل بالمعاصي.
قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ؛) أي نريد أن ننعم على الّذين استضعفوا في الأرض وهم بنو إسرائيل ، (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ؛) يقتدى بهم في الخير. قال قتادة : (ولاة وملوكا) ودليله قوله تعالى : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)(٢)(وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٥) ؛ لملك فرعون ، ولمساكن قومه ، يرثون ديارهم وأموالهم. قوله تعالى : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ؛) أي يمكّنهم ما كان يملك فرعون.
قوله تعالى : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٦) ؛ أي ما كانوا يخافونه من هذا المولود الذي به يذهب ملكهم على يديه ، وذلك أنّهم أخبروا أنّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل ، فكانوا على وجل منهم فأراهم الله تعالى (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) أي ما كانوا يخافون من جهتهم من ذهاب ملكهم على أيديهم.
وقرأ الأعمش وحمزة والكسائيّ وخلف : (ويري فرعون) بالياء وما بعده رفعا على أنّ الفعل لهم ، وقرأ الباقون بالنّون مضمومة وما بعده نصب بوقوع الفعل عليهم.
قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ؛) لم يرد بالوحي وحي الرّسالة ، وإنّما أراد الإلهام كما في قوله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٣). ويقال : أراها الله في المنام فعرفته بتفسير الرّؤيا. وقال بعضهم : أتاها ملائكة خاطبوها بهذا الكلام. واسم أمّ موسى نوخابد بنت لاوي بن يعقوب.
__________________
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٩٩.
(٢) المائدة / ٢٠.
(٣) النحل / ٦٨.