قال وهب بن منبه : (لمّا حملت أمّ موسى بموسى كتمت أمرها عن (١) جميع النّاس فلم يطّلع على حملها أحد من خلق الله تعالى ، فلما كانت السّنة التي ولد فيها موسى بعث فرعون القوابل يفتّشن النساء ، وحملت أمّ موسى ولم ينتأ بطنها ، ولم يتغيّر لونها ، ولم يظهر لبنها ، وكانت القوابل لا تتعرض لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته أمّه ولا رقيب عليها ولا قابلة ، لم يطّلع عليه أحد إلّا أخته) (٢).
ثم أوحى الله إليها : أن أرضعيه ، (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ؛) قال : فكتمته ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا ومهدت له فيه ، ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله ، فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النّيل ، فبصر بالتابوت ، فقال لمن حوله : ائتوني بهذا التابوت ، فأتوا به ، فلما وضع بين يديه فتحوه ، فوجدوا فيه موسى ، فلما نظر إليه فرعون إغتاظ وقال : كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟!
وكان لفرعون امرأة يقال لها آسية من خيار النّساء من بنات الأنبياء ، وكانت أمّا للمسلمين ترحمهم وتتصدّق عليهم ، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الولد أكبر من ولد سنة وأنت إنّما أمرت أن تذبح الولدان بهذه السّنة ، فدعه يكون قرّة عين لي ولك ، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتّخذه ولدا ، فقال فرعون لها : عسى أن ينفعك ، فأما أنا فلا أريد نفعه.
قال وهب : (لو قال فرعون كما قالت امرأته : عسى أن ينفعنا ؛ لنفعه الله به ، ولكنه أبى أن يقول للشّقاء الذي كتبه الله عليه ، فتركه فرعون ولم يقتله) (٣).
__________________
(١) في المخطوط : (وكلمته من) ، والصحيح كما أثبتناه ؛ لأنه تصحيف من الناسخ.
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩٧٣.
(٣) نقله ابن عطية في المحرر الوجيز : ص ٩٧٤ من قول ابن عباس. ونقل الطبري هذا التفسير في جامع البيان : الحديث (٢٠٦٩٧) : عن السدي وقتادة وابن عباس ، وقال : (فقال رسول الله : [والّذي يحلف به لو أقرّ فرعون أن يكون له قرّة عين كما أقرّت ، لهداه الله به كما هدى به امرأته ، ولكنّ الله حرمه ذلك]).