قوله تعالى : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ؛) وذلك أنّ فرعون همّ بقتله ، فقالت له امرأته : ليس من أولاد بني إسرائيل ، وقد أتانا الله به من أرض أخرى ، (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) ، فلا تقتله أيّها الملك ، فهو قرّة عين لي ولك ، وعسى أن ينفعنا في أمورنا ، (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٩) ؛ أنّ هلاكهم على يديه ، وقيل : وهم لا يشعرون أنّي أفعل ما أريد ولا أفعل ما يهوون.
قوله تعالى : (قُرَّتُ عَيْنٍ) مشتقّ من القرور ؛ وهو الماء البارد ، ومعنى قولهم : أقرّ الله عينك ؛ أي أبرده معك ؛ لأن دمعة السّرور باردة ، ودمعة الحزن حارّة.
قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ؛) أي أصبح قلب أمّ موسى وهي نوخابد بنت لاوي بن يعقوب فارغا من كلّ شيء إلّا عن همّ موسى وذكره. قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ؛) أي لو لا أن شددنا على قلبها بالصبر عن إظهار ذلك ، (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠) ؛ أي من المصدّقين بما سبق من الوعد ، وهو قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ولو أظهرت لكان ذلك سببا لقتله.
والرّبط على القلب : هو إلهام الصّبر وتقويته. وقيل : معناه : وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغا من الصّبر على فراق موسى لو لا أن ربطنا على قلبها لأبدت به. وقيل : فارغا من الحزن لعلمها بأنه لم يعرفه. قرأ فضالة بن عبيد (١) (وأصبح فؤاد أمّ موسى فزعا) بالزّاي والعين من غير ألف من الفزع (٢).
قوله تعالى : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ؛) أي قالت أمّ موسى لأخته ـ واسمها مريم ـ : ابتغي أثره وانظري أين وقع ؛ لتعلمي خبره وإلى من صار ، فذهبت في إثر التّابوت ، (فَبَصُرَتْ بِهِ ؛) بموسى ، (عَنْ جُنُبٍ ؛) أي عن بعد قد
__________________
(١) فضالة بن عبيد بن ناقد ، أبو محمد الأنصاري ، شهد أحدا وما بعدها رضى الله عنه ، روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن عمر ، وأبي الدرداء وجماعة من الصحابة. مات سنة ثلاث وخمسين من الهجرة ، وقيل ، سنة سبع وستين ، والأول أصح. ترجم له ابن حجر في التهذيب : الرقم (٥٥٨٣).
(٢) ذكره الطبري في جامع البيان : مج ١١ ج ٢٥ ص ٤٦ ؛ قال : (وقد ذكر ...) وذكره بلفظ (فازعا). وينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ٢٥٥.