أخذوه ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١١) ؛ أنّها قد جاءت لتعرف عن خبره.
وقال ابن عبّاس : (الجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشّيء البعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به) (١) وكانت مجانبة لتحديق النّظر إليه كيلا يعلم بما قصدت به. وقال قتادة : (كانت تنظر إليه كأنّها لا تريده) (٢) ، وكان يقرأ (عن جنب) بفتح الجيم وسكون النّون. وقرأ النّعمان بن سالم (٣) : (عن جانب) أي عن ناحية (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنّها أخته.
قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ؛) المراضع جمع مرضعة ، وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مجيء أمّه ، ومعنى : (حرّمنا عليه) أي منعناه ، وقد يذكر التحريم بمعنى المنع. قال الشاعر :
جاءت لسرعتي فقلت لها اصبري |
|
إنّي امرؤ صرعي عليك حرام (٤) |
أي ممتنع.
وذلك أنّ الله تعالى أراد أن يردّه إلى أمّه ، فمنعه من قبول ثدي المراضع ، فلما تعذر عليهم رضاعه ؛ (فَقالَتْ) أخته : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ؛) أي يضمنون لكم القيام به ورضاعه ، (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) (١٢) ؛ أي يشفقون عليه وينصحونه ، قالوا لها : من؟ قالت : أمّي ، قالوا : ولأمّك لبن؟ قالت : نعم ؛ لبن أخي هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها صبيّ ، فقالوا : صدقت. فدلّتهم على أمّ موسى ، فدفع إليها لتربيه لهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٧٢٦).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٧٢٨). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٦٧٢٦).
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ٢٥٧.
(٤) نقله القرطبي بلفظ :
جالت لتصرعني فقلت اقصري |
|
إنّي امرؤ صرعي عليك حرام |
يصف حال ناقته ، وجالت : اضطربت وقلقت ، فهو يقول : ذهبت الناقة بقلقها ونشاطها لتصرعني فلم تقدر على ذلك لحذقي بالركوب ومعرفتي به.