أذيّة الكافرين وشتمهم لهم بالعفو والصّفح والاحتمال). (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٥٤) ؛ من الأموال في طاعة الله.
قوله تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ؛) أي وإذا خوطبوا بالسّفاهة وشتمهم المشركون ردّوا عليهم جميلا ، وأعرضوا عن الكلام الذي لا فائدة فيه ، (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا) أي ديننا ، (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي دينكم.
وذلك أنّهم عيّروهم بترك دينهم. قال السديّ : لمّا أسلم عبد الله بن سلام جعل اليهود يشتمونه ، وهو يقول : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٥٥) ؛ قال الزجّاج : (لم يريدوا التّحيّة ، والمعنى أنّهم قالوا : بيننا وبينكم المتاركة والتّسلّم ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال) (١) ، فكأنّهم قالوا : سلمتم منّا لا نعترضنّكم بالشّتم. ومعنى قوله تعالى (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) أي لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسّفه. وقال الكلبيّ : (معناه : لا نحبّ دينكم الّذي أنتم عليه).
قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ؛) ذهب أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أبي طالب ، وذلك أنّه لمّا مرض مرضه الّذي مات فيه ، دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له : [يا عمّ ؛ قل لا إله إلّا الله أشهد لك بها يوم القيامة] قال : لو لا أن يعيّرني نساء قريش ويقلن : إنّه حمله على ذلك الجزع عند الموت ، لأقررت بها عينك ، فأنزل الله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(٢) هدايته. وقيل : إنّك لا تهدي من أحببته.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه دخل على عمّه أبي طالب في مرضه الّذي مات فيه ، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أميّة بن المغيرة ، فقال له : [يا عمّ ؛ قل لا إله إلّا الله أحاج لك بها عند الله] فقال له أبو جهل وعبد الله بن أميّة : أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟!
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ١١٢.
(٢) رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٧٧٢).