قوله : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا ؛) رسلنا ، (لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥١) أي وصّلنا لأهل مكّة ذكر الأنبياء والأمم وأقاصيص بعضهم لبعض ، وأخبرناهم أنّا أهلكنا قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا لكي يتّعظوا بالقرآن ، ويخافوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بمن قبلهم.
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ ؛) أي من قبل القرآن ، (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) ؛ أي بمحمّد صلىاللهعليهوسلم. قال السديّ : (يعني مسلمي اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه) (١). وقال مقاتل : (يعني مسلمي أهل الإنجيل ، وهم الّذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة) (٢).
ثم نعتهم الله تعالى فقال : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ ؛) يعني القرآن ، (قالُوا آمَنَّا بِهِ ؛) أي صدّقنا بالقرآن ، (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا ؛) لا ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل فلم يعاندوا ، وقالوا للقرآن : إنّه الحقّ من ربنا ، (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ ؛) قبل القرآن ، (مُسْلِمِينَ) (٥٢) ؛ مخلصين لله بالتوحيد ، مؤمنين بمحمّد صلىاللهعليهوسلم أنّه نبيّ.
ثم أثنى الله عليهم خيرا ، فقال : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ؛) مرّة بتمسّكهم بدينهم حتى أدركوا محمّدا صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به ، ومرّة بإيمانهم به. وقال قتادة : (كما صبروا على الكتاب الأوّل والكتاب الثّاني) ، وقيل : مرّة لإيمانهم بموسى ومرّة لإيمانهم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم (٣).
قوله تعالى : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ؛) أي يدفعون بشهادة أن لا إله إلّا الله الشّرك ، كذا قال ابن عبّاس ، وقال مقاتل : (يدفعون ما يلحقهم من
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٦٩٧٩).
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٢ ص ٥٠٠.
(٣) في الدر المنثور : ج ٦ ص ٤٢٨ ؛ قال السيوطي : (وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرّتين]). وله شاهد من حديث بردة مخرج في الصحيحين : البخاري في الصحيح : الحديث (٩٧ و٣٠١١ و٣٤٤٦). ومسلم في الصحيح : الحديث (٢٤١ / ١٥٤).