والمعنى : لو لا أنّهم يحتجّون بترك الإرسال إليهم لعجّلناهم بالعقوبة بكفرهم. وحقيقة كشف معنى الآية : لو لا أنّه إذا أصابتهم مصيبة ؛ أي عقوبة بما قدّمت أيديهم من الكفر فيقولوا عند نزول العذاب بهم : ربّنا هلّا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع كتابك ورسولك ، ونكون من المؤمنين ؛ لعجّلناهم العقوبة. قيل : معناه : لو لا إذا أصابتهم عقوبة الآخرة فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا في الدّنيا لما أرسلناك. وفي الآية بيان أنّ الله تعالى أرسل النبيّ صلىاللهعليهوسلم مبالغة في الحجّة وقطع المعذرة.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا ؛) أي فلما جاء أهل مكة الحقّ من عندنا وهو محمّد والقرآن ، (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى ؛) أي هلّا أعطي مثل ما أعطي موسى ، يعنون هلّا أنزل عليه القرآن جملة كما أنزل التوراة على موسى جملة واحدة ، وهلّا أعطى محمّدا اليد والعصا والمنّ والسّلوى وغير ذلك من الآيات.
فاحتجّ الله عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ؛) أي فقد كفروا بما أوتي موسى ، كما كفروا بآيات محمّد و (قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا ؛) أي تعاونا على السّحر والضّلال ، يعنون موسى ومحمّدا عليهمالسلام. وقرأ أهل الكوفة (سِحْرانِ) بغير ألف التّوراة والقرآن ، (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) ، من التّوراة والقرآن ، (كافِرُونَ) (٤٨).
قال الله لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ ؛) لكفّار مكّة : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما ؛) أي من التّوراة والقرآن حتى (أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٩) ؛ أنّهما كانا سحران. قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ؛) أي فإن لم يأتوا بمثل التّوراة والقرآن ، (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ؛) وإنّ ما ركبوه من الكفر لا حجّة لهم فيه ، وإنّما آثروا فيه الهوى.
ثمّ ذمّهم الله فقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ؛) أي لا أحد أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير رشاد ولا بيان جاء من الله ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥٠) ؛ ومعنى قوله (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي فإن لم يجيبوك إلى ما سألتهم ولا يجيبون.