عند النّعمة ، وقيل : معناه : بطرت في معيشتها. قال عطاء : (عاشوا في البطرة ، فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام) (١).
وقوله تعالى : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً ؛) أي منازلهم التي كانوا يسكنونها لم يسكنها أحد إلّا المسافرون ومارّوا الطريق ينزلون ببعضها يوما أو ساعة ثم يرحلون. والمعنى لم تسكن من بعدهم إلّا سكونا قليلا ، (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (٥٨) ؛ أي لم نجعل لهم أحدا بعد هلاكهم في منازلهم ، فبقيت خرابا غير مسكونة كقوله (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها)(٢).
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ؛) معناه : وما كان ربّك يا محمّد معذّب القرى الكافرة أهلها حتى يبعث في أعظمها قرية رسولا ينذرهم ويقرأ عليهم آياتنا ، وخصّ الأعظم من القرى ببعثة الرّسول فيها ؛ لأن الرّسول إنّما يبعث إلى الأشراف ، وأشراف القوم وملوكهم يسكنون المدائن والمواضع التي هي أمّ ما حولها.
وقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٥٩) ؛ أي ما نهلكهم إلّا بظلمهم وشركهم ، وقيل : المراد بالقرى القرى التي حول مكّة ، والمراد بأمّها مكّة سميت أمّ القرى ؛ لأن الأرض دحيت من تحتها.
وقوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها ؛) تتمتّعون بها أيّام حياتكم ثم تنقطع وتفنى وتنقضي ، (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ ؛) من الثّواب والجنة ، (وَأَبْقى ؛) وأدوم لأهله وأفضل مما أعطيتم في الدّنيا ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٠) ؛ أنّ الباقي أفضل من الفاني الذاهب. وقيل : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) خير الأمرين فتطلبوه وشرّ الأمرين فتتركوه. قرأ أبو عمرو (أفلا يعقلون) بالياء.
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) استفهام يعني التقرب ، أي كيف يستوي حال من وعدناه الثواب
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٩٨٥.
(٢) مريم / ٤٠.