فجاءوا بها وقد عقدوا مجلسا استحضر فيه قارون الخاصّ والعامّ ، فقال قارون للمرأة : ما تقولين؟ قالت : يا ويلاه! قد عملت كلّ فاحشة ، وما بقي إلّا أن أفتري على نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنا أبرأ إلى الله من ذلك.
ثم أخرجت خريطتين مملوءتين دراهم وعليهما خاتم قارون ، فقالت : يا أيّها الملأ ؛ إنّ قارون أعطاني هاتين الخريطتين على أن آتي جماعتكم فأزعم أنّ موسى راودني عن نفسي ، ومعاذ الله أن افتري على نبيّ الله ، وأنا أبرأ إلى الله من ذلك ، وهذه دراهمه وعليها خاتمه.
فعرف بنو إسرائيل خاتم قارون ، فافتضح قارون بين أولئك القوم ، وغضب موسى عليهالسلام فخرّ ساجدا يبكي وهو يقول : اللهمّ إن كنت رسولك فاغضب لي.
فأوحى الله إليه أنّي قد أمرت الأرض تطيعك فمرها بما شئت ، فقال موسى عليهالسلام : يا أرض خذيه ، فأخذته إلى كعبه ، ثم قال : يا أرض خذيه ، فأخذته إلى ركبتيه ، فناشده الرّحم ، فقال : يا أرض خذيه ، فأخذته حتى غيّبت حقوته ، فتضرّع إلى موسى وناشده الرّحم ، فلم يسمع تضرّعه ، فقال : يا أرض خذيه ، فأخذته حتى غيّبته.
فروي أنه استغاث بموسى وناشده سبعين مرّة ، فلم يلتفت موسى إلى ذلك ، فأوحى الله إلى موسى : ما أفظّك وأغلظ قلبك! استغاث بك قارون سبعين مرّة فلم ترحمه ولم تغثه ، وعزّتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته ، ولو دعاني لوجدني قريبا مجيبا (١).
واختلفوا في أيّ وقت خسف بداره ، قال بعضهم : إنه خسف به معه ، وقال بعضهم : لمّا خسف بقارون قالت بنو إسرائيل : إنّ موسى أراد أن يأخذ دار قارون وأمواله وكنوزه ، فدعا الله موسى فخسف بداره وأمواله بعد ما خسف بقارون بثلاثة أيّام. قال قتادة : (وذكر لنا أنّ قارون يتجلجل في الأرض هو وداره وماله كلّ يوم قامة لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة) (٢).
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٦ ص ٤٤١ ـ ٤٤٢ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الحرث).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٧١٦٠).