قوله تعالى : (وَلا فَساداً) أي ولا دعاء إلى عبادة غير الله. وقيل : ولا فسادا ولا عملا بالمعاصي. وقيل : هو أخذ المال بغير الحقّ. قوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) ؛ أي العاقبة الحميدة لمن اتّقى عقاب الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. وقيل : الذين يتّقون الكفر والعلوّ والفساد.
وعن كعب رضي الله عنه أنه قال : [يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذرّ في صور الرّجال ، يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان ، يسلكون في النّار ويسقون من طينة الخبال] قيل : وما طينة الخبال؟ قال : [عصارة أهل النّار](١). والمراد بالتّكبّر : أن يكون التكبّر لأمر يرجع إلى الدّنيا ، فإمّا يكون من ذلك لإزالة المنكر وإقامة حقّ من حقوق الله ، فلا يكون ذلك من التّكبّر في شيء ، وإنّما هو تمسّك بالدّين.
قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ؛) قد تقدّم تفسيره ، (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤) ؛ أي ومن جاء بالسّيئة فلا يزاد في عقوبته أكثر مما يستحقّه. والمعنى : أنّ الذين أشركوا يجزون بما كانوا يعملون من الشّرك وجزاؤهم النار.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ؛) معناه : إنّ الذي فرض عليك العمل بالقرآن لرادّك إلى بلدك يعني مكّة ، فإنّ معاد الرجل بلده. وقيل : معناه : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أي أنزل عليك القرآن. وقال الزجّاج : (فرض عليك العمل بما يوجبه القرآن) (٢). تقدير الكلام : فرض عليك أحكام القرآن أو فرائض القرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) يعني مكّة.
قال مقاتل : (خرج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الغار ليلا ، ثمّ هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة ، فسافر في غير طريق مخافة الطّلب ، فلمّا أمن رجع إلى الطّريق ، فنزل بالجحفة بين مكّة والمدينة ، وعرف الطّريق إلى مكّة فاشتاق إليها ، وذكر مولده ومولد
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الجامع : أبواب الشهادات : الحديث (٢٤٩٢) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وقال : هذا حديث حسن.
(٢) معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ١١٨.