(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢٥٣)
أنّ الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض ويكفّ بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها من الحرث والنسل ، أو ولو لا أنّ الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسدت الأرض بغلبة الكفار وقتل الأبرار وتخريب البلاد وتعذيب العباد (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) بإزالة الفساد عنهم ، وهو دليل على المعتزلة في مسألة الأصلح.
٢٥٢ ـ (تِلْكَ) مبتدأ خبره (آياتُ اللهِ) يعني القصص التي اقتصّها من حديث الألوف وإماتتهم وإحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره على الجبابرة على يد صبي (نَتْلُوها) حال من آيات الله والعامل فيه معنى الإشارة ، أو آيات الله بدل من تلك ونتلوها الخبر (عَلَيْكَ بِالْحَقِ) باليقين الذي لا يشكّ فيه أهل الكتاب لأنّه في كتبهم كذلك (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) حيث تخبر بها من غير أن تعرف بقراءة كتاب أو سماع من أهله.
٢٥٣ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ) إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في هذه السورة من آدم إلى داود ، أو التي ثبت علمها عند رسول الله عليهالسلام (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) بالخصائص وراء الرسالة لاستوائهم فيها ، كالمؤمنين يستوون في صفة الإيمان ، ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان ، ثم بيّن ذلك بقوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) أي كلّمه الله حذف العائد من الصلة ، يعني منهم من فضّله الله بأن كلّمه من غير سفير وهو موسى عليهالسلام (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ) مفعول أول (دَرَجاتٍ) مفعول ثان أي بدرجات ، أو إلى درجات ، يعني ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل منهم بدرجات كثيرة وهو محمد صلىاللهعليهوسلم لأنّه هو المفضّل عليهم بإرساله إلى الكافة ، وبأنّه أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف وأكثر وأكبرها القرآن ، لأنّه المعجزة الباقية على وجه الدهر ، وفي هذا الإبهام تفخيم وبيان أنّه العلم الذي لا يشتبه (١) ، وقيل أريد به محمد وإبراهيم وغيرهما من أولي العزم من
__________________
(١) زاد في (ظ) و(ز) على أحد والمتميز الذي لا يلتبس.