الفتور (وَلا نَوْمٌ) عن المفضّل (١) : السّنة ثقل في الرأس ، والنعاس في العين والنوم في القلب ، وهو تأكيد للقيوم لأنّ من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيّوما ، وقد أوحي إلى موسى عليهالسلام قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ليس لأحد أن يشفع عنده إلّا بإذنه ، وهو بيان لملكوته وكبريائه ، وأنّ أحدا لا يتمالك أن يتكلّم يوم القيامة إلّا إذا أذن له في الكلام ، وفيه رد لزعم الكفّار أنّ الأصنام تشفع لهم (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما كان قبلهم وما يكون بعدهم ، والضمير لما في السماوات والأرض لأنّ فيهم العقلاء (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) من معلومه ، يقال في الدعاء اللهم اغفر علمك فينا ، أي معلومك (إِلَّا بِما شاءَ) إلا بما علم (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي علمه ، ومنه الكرّاسة لتضمنها العلم ، والكراسيّ العلماء وسمّي العلم كرسيّا تسمية بمكانه الذي هو كرسيّ العالم ، وهو كقوله تعالى : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) (٢) وملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسيّ الملك ، أو عرشه كذا عن الحسن ، أو هو سرير دون العرش ، في الحديث : (ما السماوات السبع في الكرسي إلّا كحلقة ملقاة بفلاة وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على تلك الحلقة) (٣) أو قدرته بدليل قوله : (وَلا يَؤُدُهُ) ولا يثقله ولا يشقّ عليه (حِفْظُهُما) حفظ السموات والأرض (وَهُوَ الْعَلِيُ) في ملكه وسلطانه (الْعَظِيمُ) في عزه وجلاله ، أو العلي المتعالي عن الصفات التي لا تليق به ، العظيم المتصف بالصفات التي تليق به ، فهما جامعان لكمال التوحيد ، وإنّما ترتبت الجمل في آية الكرسي بلا حرف عطف لأنّها وردت على سبيل البيان ، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ، والثانية لكونه مالكا لما يدبره ، والثالثة لكبرياء شأنه ، والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق ، والخامسة لسعة علمه وتعلّقه بالمعلومات كلّها ، أو لجلاله وعظم قدره ، وإنّما فضّلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد ، منه ما روي عن عليّ رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (من قرأ
__________________
(١) المفضل : هو المفضل بن محمد بن مسعر بن محمد التنوخي المعري ، أبو المحاسن ، قاض من أدباء النحاة وكان معتزلا شيعيا ، حدث بدمشق وولي قضاء بعلبك مات عام ٤٤٢ ه (الأعلام ٧ / ٢٨٠).
(٢) غافر ، ٤٠ / ٧.
(٣) ذكره البغوي وقال : في جنب الكرسي ، وذكره الخازن عن السدي وقال : في جوف الكرسي ، وليس عندهما : وفضل العرش على الكرسي. وذكر ابن جرير نحوه عن ابن زيد عن أبي ذر.