(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٧٥)
والإلحاح جميعا كقوله : * على لاحب لا يهتدى بمناره* (١) يريد نفي المنار والاهتداء به ، والإلحاح هو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه ، وفي الحديث : (إنّ الله يحبّ الحيي الحليم المتعفف ويبغض البذي السّآل الملحف) (٢) وقيل معناه أنّهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) لا يضيع عنده.
٢٧٤ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) هما حالان أي مسرّين ومعلنين ، يعني يعمّون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير ، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجّلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال ، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدّق بأربعين ألف دينار ، عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة في السر وعشرة في العلانية ، أو في عليّ رضي الله عنه لم يملك إلا أربعة دراهم تصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
٢٧٥ ـ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) هو فضل مال خال عن العوض في معاوضة مال بمال ، وكتب الربوا بالواو على لغة من يفخم ، كما كتبت الصلوة والزكوة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع (لا يَقُومُونَ) إذا بعثوا من قبورهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) أي المصروع لأنّه تخبط في المعاملة فجوزي على المقابلة ، والخبط : الضرب على غير استواء كخبط العشواء (مِنَ الْمَسِ) من الجنون وهو يتعلق بلا يقومون ، أي لا يقومون من المسّ الذي بهم إلّا كما يقوم المصروع ، أو
__________________
(١) هذا صدر بيت عجزه : إذا سافه العود النباطي جرجرا ، واللاحب : الطريق الواضح ، سافه من السوف وهو الشمّ ، والعود : الجمل المسن من الإبل (القاموس).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في الأدب من رواية ميمون بن أبي شبيب ، مرسلا ، وإسحاق في مسنده عن أبي هريرة ، والطبراني في مسند الشاميين من طريقه.