الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجيء مكتوبه معدلا بالشرع ، وهو أمر للمتداينين بتخيّر الكاتب وأن لا يستكتبوا إلا فقيها ديّنا حتى يكتب ما هو متفق عليه (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ولا يمتنع واحد من الكتّاب (أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) مثل ما علّمه الله كتابة الوثائق لا يبدّل ولا يغيّر ، وكما متعلق بأن يكتب (فَلْيَكْتُبْ) تلك الكتابة لا يعدل عنها (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) ولا يكن المملي إلّا من وجب عليه الحقّ لأنّه هو المشهود على ثباته في ذمته ، وإقراره به ، فيكون ذلك إقرارا على نفسه بلسانه ، والإملال والإملاء لغتان (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) وليتق الله الذي عليه الدّين ربّه فلا يمتنع عن الإملاء فيكون جحودا لكلّ حقّه (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ولا ينقص من الحقّ الذي عليه شيئا في الإملاء فيكون جحودا لبعض حقّه (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) أي مجنونا ، لأنّ السّفه خفّة في العقل ، أو محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرّف (أَوْ ضَعِيفاً) صبيا (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) لعيّ به أو خرس أو جهل باللغة (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) الذي يلي أمره ويقوم به (بِالْعَدْلِ) بالصدق والحقّ (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدّين (مِنْ رِجالِكُمْ) من رجال المؤمنين ، والحرية والبلوغ شرط مع الإسلام ، وشهادة الكفار بعضهم على بعض مقبولة عندنا (فَإِنْ لَمْ يَكُونا) فإن لم يكن الشهيدان (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) فليشهد رجل وامرأتان ، وشهادة الرجال مع النساء تقبل فيما عدا الحدود والقصاص (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) ممن تعرفون عدالتهم ، وفيه دليل على أن غير المرضي شاهد (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) لأجل أن تنسى إحداهما الشهادة فتذكرها الأخرى ، إن تضلّ إحداهما على الشرط فتذكّر بالرفع والتشديد حمزة كقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (١) فتذكر بالنصب مكي وبصري من الذّكر لا من الذّكر (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لأداء الشهادة ، أو للتحمّل لئلا تتوى حقوقهم ، وسمّاهم شهداء قبل التحمّل تنزيلا لما يشارف منزلة الكائن ، فالأوّل للفرض والثاني للندب (وَلا تَسْئَمُوا) ولا تملوا ، قال (٢) :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم (٣) |
والضمير في (أَنْ تَكْتُبُوهُ) للدّين أو الحقّ (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) على أي حال كان الحقّ من صغر أو كبر وفيه دلالة جواز السّلم في الثّياب ، لأنّ ما يكال أو يوزن لا يقال فيه الصغير والكبير وإنّما يقال في الذّرعي ، ويجوز أن يكون الضمير للكتاب وأن
__________________
(١) المائدة ، ٥ / ٩٥.
(٢) زاد في (ز) الشاعر.
(٣) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى.