(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٦٦)
(تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) أي مستوية (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل ، وتفسير الكلمة قوله : (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) يعني تعالوا إليها حتى لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله لأنّ كلّ واحد منهما بعضنا بشر مثلنا ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله. وعن عدي بن حاتم ما كنّا نعبدهم يا رسول الله قال : (أليس كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم) قال نعم ، قال : (هو ذاك) (١) (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن التوحيد (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلّموا بأنّا مسلمون دونكم ، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع : اعترف بأني أنا الغالب وسلّم إليّ الغلبة.
٦٥ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) زعم كلّ فريق من اليهود والنّصارى أنّ إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) والمؤمنين فيه ، فقيل (٣) إنّ اليهودية إنّما حدثت بعد نزول التوراة ، والنصرانية بعد نزول الإنجيل ، وبين إبراهيم وموسى ألف سنة ، وبينه وبين عيسى ألفان ، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة متطاولة (أَفَلا تَعْقِلُونَ) حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.
٦٦ ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ها للتنبيه ، وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره (حاجَجْتُمْ) جملة مستأنفة مبيّنة للجملة الأولى ، يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى ، وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنّكم جادلتم (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) مما نطق به التوراة والإنجيل (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم ، وقيل هؤلاء بمعنى الذين وحاججتم صلته ، ها انتم بالمد وغير الهمز حيث كان مدني وأبو عمرو (وَاللهُ يَعْلَمُ) علم ما حاججتم فيه (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وأنتم جاهلون به.
ثم أعلمهم بأنّه بريء من دينهم فقال :
__________________
(١) لم أجده.
(٢) ليست في (أ).
(٣) زاد في (ظ) و(ز) لهم.