(حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة) (١) فقرة عيني ليس من الثلاث بل هو ابتداء كلام ، لأنّها ليست من الدنيا ، والثالث مطوي وكأنّه عليهالسلام ترك ذكر الثالث تنبيها على أنّه لم يكن من شأنه أن يذكر شيئا من الدنيا فذكر شيئا هو من الدّين ، وقيل في سبب هذا الأثر أنّه لما ارتفع بنيان الكعبة وضعف إبراهيم عليهالسلام عن رفع الحجارة قام على هذا الحجر فغاصت فيه قدماه ، وقيل إنّه جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليهالسلام : انزل حتى تغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقّه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شقّ رأسه ، ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشقّ الآخر ، فبقي أثر قدميه عليه ، وأمان من دخله بدعوة إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (٢) وكان الرجل لو جنى كلّ جناية ثم التجأ إلى الحرم لم يطلب ، وعن عمر رضي الله عنه : لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه ، ومن لزمه القتل في الحلّ بقود أو ردة أو زنا فالتجأ إلى الحرم لم يتعرض له إلا أنّه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج ، وقيل آمنا من النار لقوله عليهالسلام : (من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا من النار) (٣) وعنه عليهالسلام : (الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة) (٤) وهما مقبرتا مكة والمدينة وعنه عليهالسلام : (من صبر على حرّ مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام) (٥) (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) أي استقرّ له عليهم فرض الحج ، حجّ البيت كوفي غير أبي بكر وهو اسم ، وبالفتح مصدر ، وقيل هما لغتان في مصدر حجّ (مَنْ) في موضع جر على أنّه بدل البعض من الكلّ (اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فسّرها النبي عليهالسلام بالزاد والراحلة ، والضمير في إليه للبيت أو للحجّ ، وكلّ مأتى إلى الشيء فهو سبيل إليه ، ولما نزل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الأديان كلّهم فخطبهم فقال : (إنّ الله تعالى كتب عليكم الحجّ فحجوا) فآمنت به ملّة واحدة وهم المسلمون وكفرت به
__________________
(١) أخرجه النسائي ورواه أحمد والحاكم وابن أبي شيبة وابن سعد والبزار وأبو يعلى وابن عدي ، وضعفه العقيلي والدارقطني جميعهم من طرق وفيه كلام.
(٢) البقرة ، ٢ / ١٢٦.
(٣) رواه البيهقي في الشعب وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق والطبراني وابن عدي وفيه ضعف ، وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات : وفي (ظ) في إحدى.
(٤) قال ابن حجر : لم أجده.
(٥) ذكره الأزرقي في تاريخ مكة بغير إسناد ، وأخرجه العقيلي في الضعفاء.