(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (١٠٦)
والدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك ، وما عطف عليه خاص ، ومن للتبعيض لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ، ولأنّه لا يصلح له إلا من علم بالمعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته ، فإنه يبدأ بالسهل فإن لم ينفع ترقّى إلى الصعب قال الله تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) (١) ثم قال : (فَقاتِلُوا) (٢) أو للتبيين أي وكونوا أمة تأمرون كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي هم الأخصّاء بالفلاح الكامل قال عليهالسلام : (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه) (٤) وعن عليّ رضي الله عنه : أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٥).
١٠٥ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) بالعداوة (وَاخْتَلَفُوا) في الديانة وهم اليهود والنصارى ، فإنهم اختلفوا وكفّر بعضهم بعضا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) الموجبة للإتفاق على كلمة واحدة وهي كلمة الحق (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
١٠٦ ـ ونصب (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) أي وجوه المؤمنين بالظرف وهو لهم أو بعظيم أو باذكروا (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أي وجوه الكافرين. والبياض من النور والسواد من الظلمة (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) فيقال لهم (أَكَفَرْتُمْ) فحذف الفاء والقول جميعا للعلم به ، والهمزة للتوبيخ والتعجّب من حالهم (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يوم الميثاق ، فيكون المراد به جميع الكفار ، وهو قول أبي وهو الظاهر ، أو هم المرتدون أو المنافقون أي أكفرتم باطنا بعد إيمانكم ظاهرا ، أو أهل الكتاب ، وكفرهم بعد الإيمان تكذيبهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم (٦) بعد اعترافهم به قبل مجيئه (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
__________________
(١ و ٢) الحجرات ، ٤٩ / ٩.
(٣) آل عمران ، ٣ / ١١٠.
(٤) ابن عدي في الكامل في ترجمة كادح بن رحمة من روايته عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جابر عن عبادة بن الصامت ، قال ابن حجر : وكادح ساقط. وأخرجه الثعلبي وعلي بن معبد من طريق الحسن البصري مرسلا.
(٥) أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة علي رضي الله عنه.
(٦) ليست في (أ).