(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٣٥)
ومواساة فقراء المسلمين ، وقيل المراد الإنفاق في جميع الأحوال لأنّها لا تخلو من حال مسرّة ومضرّة (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) والممسكين الغيظ عن الإمضاء ، يقال كظم القربة إذا ملأها (١) وشدّ فاها ، ومنه كظم الغيظ وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا. والغيظ : توقّد حرارة القلب من الغضب ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : (من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا) (٢) (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) أي إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه ، وروي : ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلّا من عفا (٣). وعن ابن عيينة (٤) أنّه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلّاه (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) اللام للجنس ، فيتناول كلّ محسن ، ويدخل تحته هؤلاء المذكورون ، أو للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء. عن الثوري (٥) : الإحسان أن تحسن إلى المسيء فإنّ الإحسان إلى المحسن متاجرة.
١٣٥ ـ (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) فعلة متزايدة القبح ، ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) قيل : الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة ، أو الفاحشة الزنا وظلم النفس القبلة واللمسة ونحوهما (ذَكَرُوا اللهَ) بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فتابوا عنها لقبحها نادمين ، قيل بكى إبليس حين نزلت هذه الآية (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) من مبتدأ ويغفر خبره ، وفيه ضمير يعود إلى من ، وإلّا الله بدل من الضمير في يغفر ، والتقدير ولا أحد يغفر الذنوب إلّا الله ، وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، وفيه تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة وبعث عليها ، وردع عن اليأس والقنوط ، وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التائب ، وإشعار بأنّ الذنوب وإن جلّت فإنّ عفوه أجلّ وكرمه أعظم (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ولم يقيموا على قبيح فعلهم ، والإصرار
__________________
(١) في (ز) إذا امتلأها.
(٢) رواه أبو داود وأحمد وعبد الرزاق عن سهل عن معاذ بن أنس.
(٣) رواه البيهقي في الشعب.
(٤) ابن عيينة : هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي ، كان حافظا ثقة ولد عام ١٠٧ ه وتوفي في مكة عام ١٩٨ ه (الأعلام ٣ / ١٠٥).
(٥) الثوري : هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري من بني ثور ، أمير المؤمنين في الحديث ولد عام ٩٧ ه في الكوفة وتوفي في البصرة عام ١٦١ ه (الأعلام ٣ / ١٠٤).