(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (١٤٣)
١٤٢ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) أم منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي لا تحسبوا (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي ولمّا تجاهدوا ، لأنّ العلم متعلق بالمعلوم ، فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلّقه ، لأنّه منتف بانتفائه ، تقول ما علم الله في فلان خيرا أي ما فيه خير حتى يعلمه ، ولما بمعنى لم إلّا أنّ فيه ضربا من التوقع فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) نصب بإضمار أن ، والواو بمعنى الجمع نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، أو جزم للعطف على يعلم الله وإنّما حرّكت الميم لالتقاء الساكنين واختيرت الفتحة للفتحة قبلها (١).
١٤٣ ـ (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) خوطب به الذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) لينالوا كرامة الشهادة وهم الذين ألحوا على رسول الله (٣) في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الإقامة بالمدينة يعني وكنتم تتمنون (٤) الموت قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدّته (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل إخوانكم بين أيديكم وشارفتم أن تقتلوا ، وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٥) بإلحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه ، وإنّما تمنوا الشهادة لينالوا كرامة الشهداء من غير قصد إلى ما يتضمنه من غلبة الكفار ، كمن شرب الدواء من طبيب نصراني فإنّ قصده حصول الشفاء ولا يخطر بباله أنّ فيه جرّ منفعة إلى عدوّ الله وتنفيقا لصناعته.
لما رمى ابن قميئة (٦) رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحجر فكسر رباعيته أقبل يريد قتله فذبّ عنه مصعب بن عمير (٧) وهو صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال قتلت محمدا ، وخرج صارخ قيل هو الشيطان ألا إنّ محمدا قد قتل ، ففشا في الناس خبر قتله ، فانكفؤوا وجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعو (إليّ عباد الله) حتى انحازت
__________________
(١) في (ظ) و(ز) واختيرت الفتحة لفتحة ما قبلها.
(٢) ليست في (أ).
(٣) زاد في (ز) صلىاللهعليهوسلم.
(٤) في (ظ) و(ز) تمنون.
(٥) ليست في (أ).
(٦) ابن قميئة : هو ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة (الطبري).
(٧) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ، صحابي من السابقين إلى الإسلام قاتل في بدر واستشهد في أحد عام ٣ ه (الأعلام ٧ / ٢٤٨).