إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦١)
(الْأَمْرِ) أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييبا لنفوسهم ، وترويحا لقلوبهم ، ورفعا لأقدارهم أو لتقتدي بك أمتك فيها ، في الحديث : (ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم) (١) وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) ، ومعنى شاورت فلانا أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي ، وشرت الدابة استخرجت جريها ، وشرت العسل أخذته من مآخذه ، وفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيان أنّ القياس حجة (فَإِذا عَزَمْتَ) فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) عليه ، والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه ، وقال ذو النون (٣) : خلع الأرباب وقطع الأسباب.
١٦٠ ـ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) كما نصركم يوم بدر (فَلا غالِبَ لَكُمْ) فلا أحد يغلبكم ، وإنّما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واستعصم (٤) بربه وقدرته (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كما خذلكم يوم أحد (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد خذلانه ، وهو ترك المعونة ، أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته ، وهذا تنبيه على أنّ الأمر كلّه لله ، وعلى وجوب التوكل عليه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وليخصّ المؤمنون ربّهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنّه لا ناصر سواه ولأنّ إيمانهم يقتضي ذلك.
١٦١ ـ (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) مكي وأبو عمرو وحفص وعاصم ، أي يخون
__________________
(١) أخرجه الطبري عن الحسن بلفظ ما شاور.
(٢) قال ابن حجر : هذا فيه تحريف ، والصواب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه. كذلك أخرجه الشافعي منقطعا عن الزهري ، وأخرجه ابن حبان من رواية معمر عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان وفيه : قال الزهري : وكان أبو هريرة يقول ، وكذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، وعند أحمد وإسحاق ، وقد أشار إليه الترمذي في آخر الجهاد فقال : يروى عن أبي هريرة فذكره.
(٣) ذو النون : هو ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المصري ، أحد الزهاد المشهورين من أهل مصر توفي عام ٢٤٥ ه (الأعلام ٢ / ١٠٢).
(٤) في (ظ) و(ز) واعتصم.