(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥)
١٨٣ ـ (الَّذِينَ قالُوا) في موضع جر على البدل من الذين قالوا ، أو نصب بإضمار أعني ، أو رفع بإضمارهم (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أمرنا في التوراة وأوصانا (أَلَّا نُؤْمِنَ) بأن لا نؤمن (لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) أي يقرب قربانا فتنزل نار من السماء فتأكله فإن جئتنا به صدقناك ، وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله لأنّ أكل النار القربان سبب الإيمان للرسول الآتي به لكونه معجزة ، فهو إذا وسائر المعجزات سواء (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات سوى القربان (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) أي بالقربان ، يعني قد جاء أسلافكم الذين أنتم على ملّتهم وراضون بفعلهم (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) أي إن كان امتناعكم عن الإيمان لأجل هذا فلم لم تؤمنوا بالذين أتوا به ولم قتلتموهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم إنّما نؤخر الإيمان لهذا.
١٨٤ ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فإن كذبك اليهود فلا يهولنّك ، فقد فعلت الأمم بأنبيائها كذلك (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات الظاهرات (وَالزُّبُرِ) الكتب جمع زبور من الزبر وهو الكتابة ، وبالزبر شامي (وَالْكِتابِ) جنس (١) (الْمُنِيرِ) المضيء قيل هما واحد في الأصل ، وإنّما ذكرا لاختلاف الوصفين فالزبور كتاب فيه حكم زاجرة والكتاب المنير هو الكتاب الهادي.
١٨٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ) مبتدأ والخبر (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من العموم ، والمعنى لا يحزنك تكذيبهم إياك فمرجع الخلق إليّ فأجازيهم على التكذيب وأجازيك على الصبر ، وذلك قوله : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي تعطون ثواب أعمالكم على الكمال يوم القيامة فإنّ الدنيا ليست بدار الجزاء (فَمَنْ زُحْزِحَ) بعد ، والزحزحة : الإبعاد (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) ظفر بالخير ، فقد (٢) حصل له الفوز المطلق ، وقيل : الفوز نيل المحبوب والبعد
__________________
(١) في (ز) جنسه.
(٢) في (ظ) و(ز) وقيل فقد.