(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١٧)
الله (١) (فَإِنْ تابا) عن الفاحشة (وَأَصْلَحا) وغيّرا الحال (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) فاقطعوا التوبيخ والمذمة (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) يقبل توبة التائب ويرحمه. قال الحسن : أول ما نزل من حدّ الزنا الأذى ، ثم الحبس ، ثم الجلد أو الرجم ، فكان ترتيب النزول على خلاف ترتيب التلاوة ، والحاصل أنّهما إذا كانا محصنين فحدّهما الرجم لا غير ، وإذا كانا غير محصنين فحدّهما الجلد لا غير ، وإن كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد ، وقال ابن بحر (٢) : الآية الأولى في السحّاقات والثانية في اللواطين ، والتي في سورة النور في الزاني والزانية ، وهو دليل ظاهر لأبي حنيفة رحمهالله في أنّه يعزر في اللواطة ولا يحد ، وقال مجاهد : آية الأذى في اللواطة.
١٧ ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) هي من تاب الله عليه إذا قبل توبته أي إنّما قبولها (عَلَى اللهِ) وليس المراد به الوجوب إذ لا يجب على الله شيء ، ولكنه تأكيد للوعد ، يعني أنّه يكون لا محالة كالواجب الذي لا يترك (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ) الذنب لسوء عقباه (٣) (بِجَهالَةٍ) في موضع الحال ، أي يعملون السوء جاهلين سفهاء ، لأنّ ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السّفه ، وعن مجاهد من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته ، وقيل جهالته اختياره اللذة الفانية على الباقية ، وقيل لم يجهل أنه ذنب ولكنه جهل كنه عقوبته (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) من زمان قريب وهو ما قبل حضرة الموت ، ألا ترى إلى قوله : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) فبيّن أنّ وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة ، وعن الضحّاك : كلّ توبة قبل الموت فهو قريب ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قبل أن ينظر إلى ملك الموت ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : (إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) (٤) ومن للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب ، كأنّه سمّى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) عدة بأنّه يفي بذلك ، وإعلام بأنّ الغفران كائن لا محالة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بعزمهم على التوبة (حَكِيماً) حكم بكون الندم توبة.
__________________
(١) ليس في (ظ) لفظ الجلالة.
(٢) ابن بحر هو الجاحظ عمرو بن بحر سبق ترجمته في ٢ / ٣٤.
(٣) في (ز) عقابه.
(٤) رواه الطبري.