(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١)
كمهلك نفسه ، أو لا تتبعوا أهواءها فتقتلوها ، أو لا ترتكبوا (١) ما يوجب القتل (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ولرحمته بكم نبهكم على ما فيه صيانة أموالكم وبقاء أبدانكم ، وقيل معناه أنّه أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم ، وكان بكم يا أمة محمد رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة.
٣٠ ـ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي القتل ، أي ومن يقدم على قتل الأنفس (عُدْواناً وَظُلْماً) لا خطأ ولا اقتصاصا (٢) ، وهما مصدران في موضع الحال ، أو مفعول لهما (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) ندخله نارا مخصوصة شديدة العذاب (وَكانَ ذلِكَ) أي إصلاؤه النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) سهلا ، وهذا الوعيد في حقّ المستحلّ للتخليد وفي حقّ غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع وعد الله بمغفرته.
٣١ ـ (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) عن ابن مسعود رضي الله عنه الكبائر كلّ ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) وعنه أيضا الكبائر ثلاث ، الإشراك بالله واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، وقيل المراد بها أنواع الكفر بدليل قراءة عبد الله كبير ما تنهون عنه وهو الكفر (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) مدخلا مدني وكلاهما بمعنى المكان والمصدر (كَرِيماً) حسنا ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ) (٣) وتشبث المعتزلة بالآية على أنّ الصغائر واجبة المغفرة باجتناب الكبائر وعلى أنّ الكبائر غير مغفورة باطل لأنّ الكبائر والصغائر في مشيئته تعالى سواء ، إن شاء عذب عليهما وإن شاء عفا عنهما لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤) فقد وعد المغفرة لما دون الشرك وقرنها بمشيئته تعالى وقوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ
__________________
(١) في (ز) أو تركبوا وهو خطأ من الناسخ.
(٢) في (ز) قصاصا.
(٣) أخرجه البيهقي في الشعب باب ٤٧.
(٤) النساء ، ٤ / ٤٨ و ١١٦.