وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٣٣)
(السَّيِّئاتِ) (١) فهذه الآية تدلّ على أنّ الصغائر والكبائر يجوز أن يذهبا بالحسنات لأنّ لفظ السيئات ينطلق عليهما.
ولما كان أخذ مال الغير بالباطل وقتل النفس بغير حق بتمني مال الغير وجاهه نهاهم عن تمني ما فضّل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال بقوله :
٣٢ ـ (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) لأنّ ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما ينبغي لكل من بسط في الرزق أو قبض ، فعلى كلّ واحد أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه ، فالحسد أن يتمنى أن يكون ذلك الشيء له ويزول عن صاحبه ، والغبطة أن يتمنى مثل ما لغيره وهو مرخص فيه والأول منهي عنه ، ولما قال الرجال : نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث ، وقالت النساء : يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث نزل : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي ليس ذلك على حسب الميراث (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) فإنّ خزائنه لا تنفد ، ولا تتمنوا ما للناس من الفضل (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فالتفضيل (٢) عن علم بمواضع الاستحقاق. قال ابن عيينة (٣) لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي ، وفي الحديث : (من لم يسأل الله من فضله غضب عليه) (٤) وفيه : (إنّ الله تعالى ليمسك الخير ئلكثير عن عبده ويقول لا أعطي عبدي حتى يسألني) (٥) وسلوا مكي وعلي.
٣٣ ـ (وَلِكُلٍ) المضاف إليه محذوف تقديره ولكلّ أحد ، أو ولكلّ مال (جَعَلْنا مَوالِيَ) ورّاثا يلونه ويحرزونه (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) هو صفة مال
__________________
(١) هود ، ١١ / ١١٤.
(٢) في (ز) فالتفضيل منه.
(٣) ابن عيينة : هو سفيان بن عيينة سبق ترجمته في ٣ / ١٣٦.
(٤) البخاري في الأدب المفرد عن أبي صالح عن أبي هريرة.
(٥) رواه ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم بن بشران في أماليه بسند ضعيف عن أبي هريرة (الدر المنثور).