(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٤٨)
طمس أموال القبط فقلبها حجارة وبالوجوه رؤوسهم ووجهاؤهم ، أي من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صغارهم وإدبارهم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي نخزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت ، والضمير يرجع إلى الوجوه إن إريد الوجهاء ، أو إلى الذين أوتوا الكتاب على طريقة الالتفات. والوعيد كان معلقا بأن لا يؤمن كلّهم وقد آمن بعضهم فإن ابن سلام قد سمع الآية قافلا من الشام فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم مسلما قبل أن أتى أهله وقال ما كنت أرى أن أصل إلى أهلي قبل أن يطمس الله وجهي. أو أنّ الله تعالى أوعدهم بأحد الأمرين بطمس الوجوه أو بلعنهم ، فإن كان الطمس تبدل أحوال رؤسائهم فقد كان أحد الأمرين ، وإن كان غيره فقد حصل اللعن ، فإنّهم ملعونون بكلّ لسان ، وقيل هو منتظر في اليهود (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أي المأمور به وهو العذاب الذي أوعدوا به (مَفْعُولاً) كائنا لا محالة فلا بدّ أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا.
٤٨ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إن مات عليه (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي ما دون الشرك وإن كان كبيرة مع عدم التوبة ، والحاصل أنّ الشرك مغفور عنه بالتوبة وأنّ وعد غفران ما دونه لمن لم يتب ، أي لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب ، قال النبي عليهالسلام : (من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ولم تضره خطيئته) (١) وتقييده بقوله : (لِمَنْ يَشاءُ) لا يخرجه عن عمومه كقوله : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) (٢) قال علي رضي الله عنه : ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية. وحمل المعتزلة على التائب باطل لأنّ الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (٣) فما دونه أولى أن يغفر بالتوبة ، والآية سيقت لبيان التفرقة بينهما ، وذا فيما ذكرنا (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) كذّب كذبا عظيما استحق به عذابا أليما. ونزل فيمن زكّى نفسه من اليهود والنصارى حيث قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٤) (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (٥).
__________________
(١) رواه الإمام أحمد.
(٢) الشورى ، ٤٢ / ١٩.
(٣) الأنفال ، ٨ / ٣٨.
(٤) المائدة ، ٥ / ١٨.
(٥) البقرة ، ٢ / ١١١.