(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (٥٣)
٤٩ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) ويدخل فيها كلّ من زكّى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) إعلام بأنّ تزكية الله هي التي يعتدّ بها لا تزكية غيره ، لأنّه هو العالم بمن هو أهل للتزكية ، ونحوه (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (١) (وَلا يُظْلَمُونَ) أي الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكية أنفسهم حقّ جزائهم ، أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم (فَتِيلاً) قدر فتيل ، وهو ما يحدث بفتل الأصابع من الوسخ.
٥٠ ـ (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في زعمهم أنهم عند الله أزكياء (وَكَفى بِهِ) بزعمهم هذا (إِثْماً مُبِيناً) من بين سائر آثامهم.
٥١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) يعني اليهود (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) أي الأصنام وكلّ ما عبدوه من دون الله (وَالطَّاغُوتِ) الشيطان (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) وذلك أن حييّ بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أنتم أهل الكتاب وأنتم إلى محمد أقرب منا وهو أقرب منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا ، فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنّهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس عليه اللعنة فيما فعلوا ، فقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد فقال كعب : أنتم أهدى سبيلا.
٥٢ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم من رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) يعتدّ بنصره.
ثم وصف اليهود بالبخل والحسد وهما من شرّ الخصال ، يمنعون ما لهم ويتمنون ما لغيرهم فقال :
٥٣ ـ (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) فأم منقطعة ، ومعنى الهمزة لإنكار أن يكون
__________________
(١) النجم ، ٥٣ / ٣٢.