(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) (٥٧)
لهم نصيب من الملك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي لو كان لهم نصيب من الملك ، أي ملك أهل الدنيا ، أو ملك الله ، فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم ، والنقير : النقرة في ظهر النواة ، وهو مثل في القلة كالفتيل.
٥٤ ـ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) بل أيحسدون رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه ، وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النّصرة والغلبة وازدياد العزّ والتقدّم كلّ يوم (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ) أي التوراة (وَالْحِكْمَةَ) المواعظ (١) والفقه (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يعني ملك يوسف وداود وسليمان عليهمالسلام ، وهذا إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين هم أسلاف محمد عليهالسلام ، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما أوتي أسلافه.
٥٥ ـ (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) فمن اليهود من آمن بما ذكر من حديث آل إبراهيم (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) وأنكره مع علمه بصحته ، أو من اليهود من آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم ومنهم من أنكر نبوّته وأعرض عنه (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) للصّادّين.
٥٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) ندخلهم (ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) احترقت (٢) (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) أعدنا تلك الجلود غير محترقة ، فالتبديل والتغيير لتغاير الهيئتين لا لتغاير الأصلين عند أهل الحقّ خلافا للكرّامية (٣) ، وعن فضيل يجعل النضيج غير نضيج (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز : أعزّك الله أي أدامك على عزّك (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) غالبا بالانتقام لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين (حَكِيماً) فيما يفعل بالكافرين.
٥٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
__________________
(١) في (ز) الموعظة.
(٢) في (ز) أحرقت.
(٣) الكرّامية : أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرّام وكان ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي فيها إلى التجسيم والتشبيه وتوفي ابن كرام سنة ٢٥٥ ه (الملل والنحل ـ الفصل الثالث ص ٤٦).