(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٦٦)
ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً) لعلموه توابا أي لتاب عليهم ، ولم يقل واستغفرت لهم وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أنّ شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان (رَحِيماً) بهم ، قيل جاء أعرابي بعد دفنه عليهالسلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال يا رسول الله قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك : ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم ، الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربي فنودي من قبره قد غفر لك.
٦٥ ـ (فَلا وَرَبِّكَ) أي فوربّك كقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) (٢) ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم ، وجواب القسم (لا يُؤْمِنُونَ) أو التقدير فلا ، أي ليس الأمر كما يقولون ، ثم قال وربّك لا يؤمنون (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما اختلف بينهم واختلط ، ومنه الشّجر لتداخل أغصانه (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) ضيقا (مِمَّا قَضَيْتَ) أي لا تضيق صدورهم من حكمك ، أو شكّا ، لأنّ الشاكّ في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وينقادوا لقضائك انقيادا ، وحقيقته سلّم نفسه له وأسلمها ، أي جعلها سالمة له خالصة (٣). وتسليما مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره ، كأنّه قيل وينقادوا لحكمه (٤) انقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم ، والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك.
٦٦ ـ (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ) على المنافقين ، أي ولو وقع كتبنا عليهم (أَنِ اقْتُلُوا) أن هي المفسرة (أَنْفُسَكُمْ) أي تعرّضوا للقتل بالجهاد ، أو ولو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) بالهجرة (ما فَعَلُوهُ) لنفاقهم ، والهاء ضمير أحد مصدري الفعلين ، وهو القتل أو الخروج ، أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا عليه (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) قليلا شامي على الاستثناء ، والرفع على البدل من واو فعلوه (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) من اتباع رسول
__________________
(١) في (ز) لشأنه صلىاللهعليهوسلم.
(٢) الحجر ، ١٥ / ٩٢.
(٣) في (ز) أي خالصة.
(٤) في (ز) لحكمك.