(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (٨٣)
بطلان التقليد (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) كما زعم الكفار (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي تناقضا من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم ، أو تفاوتا من حيث البلاغة فكان بعضه بالغا حدّ الإعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته ، أو من حيث المعاني فكان بعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه ، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم ، وأما تعلق الملحدة بآيات يدّعون فيها اختلافا كثيرا من نحو قوله : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (١) (كَأَنَّها جَانٌّ) (٢) (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣) (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٤) فقد تفصّى (٥) عنها أهل السنة (٦) وستجدها مشروحة في كتابنا هذا في مظانّها إن شاء الله تعالى.
٨٣ ـ (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ) هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم يكن فيهم خبرة بالأحوال ، أو المنافقون كانوا إذا بلغهم خبر من سرايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أمن وسلامة أو خوف وخلل (أَذاعُوا بِهِ) أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة ، يقال أذاع السرّ وأذاع به ، والضمير يعود إلى الأمر أو إلى الأمن أو الخوف لأنّ أو تقتضي أحدهما (وَلَوْ رَدُّوهُ) أي ذلك الخبر (إِلَى الرَّسُولِ) أي رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) يعني كبار (٧) الصحابة البصراء بالأمور ، أو الذين كانوا يؤمّرون منهم (لَعَلِمَهُ) لعلم تدبير ما أخبروا به (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكائدها ، وقيل كانوا يقفون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء ، أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ، ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر وفوّضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون
__________________
(١) الأعراف ، ٧ / ١٠٧. والشعراء ، ٢٦ / ٣٢.
(٢) النمل ، ٢٧ / ١٠. والقصص ، ٢٨ / ٣١.
(٣) الحجر ، ١٥ / ٩٢.
(٤) الرحمن ، ٥٥ / ٣٩.
(٥) تفصى عنها : فصلوها.
(٦) في (ظ) و(ز) أهل الحق.
(٧) في (ز) كبراء.