فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٨٩)
ومعناه الله والله ليجمعنّكم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي ليحشرنّكم إليه ، والقيامة والقيام كالطلابة والطّلاب ، وهي قيامهم من القبور ، أو قيامهم للحساب (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) (لا رَيْبَ فِيهِ) هو حال من يوم القيامة ، والهاء يعود إلى اليوم ، أو صفة لمصدر محذوف أي جمعا لا ريب فيه ، والهاء يعود إلى الجمع (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) تمييز ، وهو استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أصدق منه في إخباره ووعده ووعيده لاستحالة الكذب عليه ، لقبحه لكونه إخبارا عن الشيء بخلاف ما هو عليه.
٨٨ ـ (فَما لَكُمْ) مبتدأ وخبر (فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) أي ما لكم اختلفتم في شأن قوم قد نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيهم فرقتين ، وما لكم لم تقطعوا القول بكفرهم ، وذلك أنّ قوما من المنافقين استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى البدو معتلّين باجتواء (٢) المدينة ، فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين ، فاختلف المسلمون فيهم ، فقال بعضهم : هم كفار ، وقال بعضهم : هم مسلمون. وفئتين حال كقولك ما لك قائما ، قال سيبويه إذا قلت ما لك قائما فمعناه لم قمت ونصبه على تأويل أي شيء يستقرّ لك في هذه الحالة (٣) (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) ردّهم إلى حكم الكفار (بِما كَسَبُوا) من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين ، فردوهم أيضا ولا تختلفوا في كفرهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا) أن تجعلوا من جملة المهتدين (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) من جعله الله ضالا ، أو أتريدون أن تسمّوهم مهتدين وقد أظهر الله ضلالهم فيكون تعييرا لمن سمّاهم مهتدين ، والآية تدلّ على مذهبنا في إثبات الكسب للعبد والخلق للربّ جلّت قدرته (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) طريقا إلى الهداية.
٨٩ ـ (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) والكاف نعت لمصدر محذوف ، وما مصدرية ، أي ودوا لو تكفرون كفرا مثل كفرهم (فَتَكُونُونَ) عطف على تكفرون (سَواءً) أي مستوين أنتم وهم في الكفر (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ
__________________
(١) المصطففين ، ٨٣ / ٦.
(٢) معتلين باجتواء المدينة أي كراهتهم المقام فيها.
(٣) في (ز) الحال.