(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (١٠٩)
١٠٧ ـ (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يخونونها بالمعصية ، جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم ، لأن الضرر راجع إليهم ، والمراد به طعمة ومن عاونه من قومه ، وهم يعلمون أنه سارق ، أو ذكر بلفظ الجمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانة (١) (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) وإنما قيل بلفظ المبالغة لأنه تعالى عالم من طعمة أنه مفرط في الخيانة وركوب المآثم ، وروي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ، ونقب حائطا بمكة ليسرق أهله ، فسقط الحائط عليه فقتله ، وقيل إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. وعن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه ، فقال : كذبت إنّ الله لا يؤاخذ عبده في أوّل مرة.
١٠٨ ـ (يَسْتَخْفُونَ) يستترون (مِنَ النَّاسِ) حياء منهم وخوفا من ضررهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) ولا يستحيون منه (وَهُوَ مَعَهُمْ) وهو عالم بهم ، مطلع عليهم ، لا يخفى عليه خاف من سرهم ، وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم أنهم في حضرته لا سترة ولا غيبة (إِذْ يُبَيِّتُونَ) يدبّرون ، وأصله أن يكون ليلا (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرّق دونه ويحلف أنه لم يسرقها وهو دليل على أنّ الكلام هو المعنى القائم بالنفس حيث سمى التدبير قولا (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) عالما علم إحاطة.
١٠٩ ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ها للتنبيه في أنتم وأولاء ، وهما مبتدأ وخبر (جادَلْتُمْ) خاصمتم ، وهي جملة مبيّنة لوقوع أولاء خبرا ، كقولك لبعض الأسخياء أنت حاتم تجود بمالك ، أو أولاء اسم موصول بمعنى الذين وجادلتم صلته ، والمعنى هبوا أنكم خاصمتم (عَنْهُمْ) عن طعمة وقومه (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه ،
__________________
(١) في (ز) خيانته.