(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (١٠٦)
فأتموا بالقيام (١) والركوع والسجود (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) مكتوبا محدودا بأوقات معلومة.
١٠٤ ـ (وَلا تَهِنُوا) ولا تضعفوا ولا تتوانوا (فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم ، ثم ألزمهم الحجة بقوله (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) أي ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم ، يصيبهم كما يصيبكم ، ثم إنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أجدر منهم بالصبر ، لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان ، ومن الثواب العظيم في الآخرة (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بما يجد المؤمنون من الألم (حَكِيماً) في تدبير أمورهم.
روي أن طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه ، وخبأها عند زيد بن السمين رجل من اليهود ، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد ، وحلف ما أخذها وما له بها علم ، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي ، فأخذوها ، فقال دفعها إليّ طعمة ، وشهد له ناس من اليهود ، فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفعل فنزل :
١٠٥ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي محقا (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) بما عرّفك وأوحى به إليك ، وقال الشيخ أبو منصور رحمهالله بما ألهمك بالنظر في أصوله المنزلة ، وفيه دلالة جواز الاجتهاد في حقه (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) لأجل الخائنين (خَصِيماً) مخاصما ، أي ولا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر.
١٠٦ ـ (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) مما هممت به (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
__________________
(١) في (ز) القيام.