(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢)
حجة على أنّ عيسى من الله (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي ولا تقولوا الآلهة ثلاثة (انْتَهُوا) عن التثليث (خَيْراً لَكُمْ) والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة ، وأن المسيح ولد الله من مريم ، ألا ترى إلى قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢) (إِنَّمَا اللهُ) مبتدأ (إِلهٌ) خبره (واحِدٌ) توكيد (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) بيان لتنزّهه مما نسب إليه ، بمعنى أنّ كلّ ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزءا منه ، إذ البنوة والملك لا يجتمعان ، على أنّ الجزء إنما يصح في الأجسام وهو يتعالى عن أن يكون جسما (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا ومدبرا لهما ولما فيهما ، ومن عجز عن كفاية أمر يحتاج إلى ولد يعينه.
ولما قال وفد نجران لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لم تعيب صاحبنا عيسى؟ قال : (وأي شيء أقول) قالوا : إنه عبد الله ورسوله قال : (إنه ليس بعار أن يكون عبدا لله) قالوا : بلى (٣) ، نزل (٤) :
١٧٢ ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) أي لن يأنف (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) هو رد على النصارى (وَلَا الْمَلائِكَةُ) رد على من يعبدهم من العرب ، وهو عطف على المسيح (الْمُقَرَّبُونَ) أي الكروبيّون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم ، والمعنى ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله ، فحذف ذلك لدلالة عبد الله عليه إيجازا ، وتشبثت المعتزلة والقائلون بتفضيل الملك على البشر بهذه الآية ، وقالوا الارتقاء إنما يكون إلى الأعلى ، يقال فلان لا يستنكف عن خدمتي ولا أبوه ، ولو قال ولا عبده لم يحسن ، وكان معنى قوله ولا الملائكة المقربون ولا من هو أعلى منه قدرا وأعظم منه خطرا ويدل عليه تخصيص المقربين ، والجواب أنّا نسلم تفضيل الثاني على الأول ، ولكن هذا لا يمس ما تنازعنا فيه ، لأنّ الآية تدل على أنّ الملائكة المقربين بأجمعهم أفضل من عيسى ونحن نسلّم بأنّ جميع الملائكة المقربين
__________________
(١) المائدة ، ٥ / ١١٦.
(٢) التوبة ، ٩ / ٣٠.
(٣) الواحدي في «الأسباب» عن ابن الكلبي.
(٤) زاد في (ز) قوله تعالى.