يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦)
وهو الإيمان بالله والرسل وأفعال الخير يتعلق بأخذنا ، أي وأخذنا من الذين قالوا إنّا نصارى ميثاقهم ، فقدم على الفعل الجار والمجرور وفصل بين الفعل والواو بالجار والمجرور ، وإنما لم يقل من النصارى لأنهم إنّما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة (١) الله ، وهم الذين قالوا لعيسى (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (٢) ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية (٣) أنصارا للشيطان (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا) فألصقنا وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه ولصق به ، ومنه الغراء الذي يلصق به (بَيْنَهُمُ) بين فرق النصارى المختلفين (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بالأهواء المختلفة (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) أي في القيامة بالجزاء والعقاب.
١٥ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب لليهود والنصارى ، والكتاب للجنس (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) محمد عليهالسلام (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) من نحو صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن نحو الرجم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) مما تخفونه لا يبينه ، أو يعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ، ولإبانته ما كان خافيا على الناس من الحقّ ، أو لأنه ظاهر الإعجاز ، أو النور محمد عليهالسلام لأنه يهتدى به كما سمّي سراجا.
١٦ ـ (يَهْدِي بِهِ اللهُ) أي بالقرآن (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) من آمن منهم (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة والنجاة من عذاب الله ، أو سبل الله فالسلام السلامة ، أو الله (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الكفر إلى نور
__________________
(١) في (ز) لنصر.
(٢) آل عمران ، ٣ / ٥٢. الصف ، ٦١ / ١٤.
(٣) نسطورية : أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر زمن المأمون وتصرّف في الإنجيل بحكم رأيه.
يعقوبية : أصحاب يعقوب قالوا بالأقانيم الثلاثة إلّا أنهم قالوا انقلبت لحما ودما فصار الإله هو المسيح وهو الظاهر بجسده ، بل هو هو.
ملكانية : أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها ومعظم الروم ملكانية وهم صرحوا بإثبات التثليث. (الملل والنحل ـ الباب الثاني ـ الفصل الثاني).